قابس، الأزمة والمعـالجة وغياب الاستباق

ما يحصل اليوم في قابس لا يمكن أن يقبل به أي

تونسي وتونسية: تلوث صناعي كارثي وغازات سامة تهدد صحة جميع الأهالي والردّ الرسمي الفعلي الى اليوم هو تفريق المتظاهرين بالغازات المسيلة للدموع..

«لعنة الفسفاط» في تونس لم تصب فقط مناطق الإنتاج في الحوض المنجمي في قفصة ومعتمدياتها الأربعة: المظيلة والرديف وأم العرايس والمتلوي بل وأيضا مناطق التصنيع والتحويل وأساسا قابس وصفاقس، فهذا الثالوث تحمّل لوحده منذ عقود كلفة تلوث المورد المنجمي الأساسي لتونس، تلوث الهواء والماء والأرض والبحار ولم تتمكن من التخلص من هذه «اللعنة» سوى صفاقس نسبيا بعد عقود من الأمراض والاحتجاج إلى أن أغلق مصنع «السياب».. الذي تحول الى المظيلة سنة 2018 ولكن الوضع البيئي في قابس على وجه الخصوص يزداد سوءا من سنة إلى أخرى والمشاكل الصحية تتفاقم والآلة الانتاجية تهترئ بحكم ضعف الاستثمارات فتزيد التلوث تلوثا ويحتج أهالي قابس منذ سنين طويلة فتركن الحكومات المتعاقبة الى الوعود ثم تهدأ الأوضاع ويزيغ تباعا نظر الحكومات كلها عن قابس وأهلها..

البعض مازال يبحث عن «الأيادي الخفية» التي «تقف» وراء الاحتجاجات وكأن الوضع الكارثي يستحق فقط الاعجاب أو الصمت.. والحكومة الرابعة بعد 25 جويلية 2021 تنسج على منوال سابقاتها: رفض للحوار ورفض للاتصال ورفض لمواجهة المشكلة الحقيقية..

أن نبدأ اليوم في البحث عن حلّ لمشكلة التلوث الصناعي الفظيع في قابس إنما يدل على أن عقل الدولة التونسية لا يشتغل بصفة معقولة منذ عقود وعقود، فكأن التلوث الكميائي وليد اليوم وكأنه لا توجد حلولا البتة..

لا شك لدينا أن تونس لا يمكنها عمليا واقتصاديا الاستغناء عن الفسفاط وعن الأسمدة المستخرجة منه ما لم نفكر في بديل عن ذلك لا فقط للزراعة والتصدير بل للعجلة التنموية برمتها في مناطق الانتاج والتحويل الصناعي أي في كامل ولايتي قفصة وقابس اليوم وهذا ما لا يبدو أننا بدأنا في التفكير فيه بإطلاق..

وما دمنا نحتاج إلى الفسفاط ومشتقاته فلا أقل من العمل على التقليص الأقصى من التلوث في الاستخراج والتحويل والابتعاد قدر الامكان على مناطق العمران والحفاظ على التوازنات البيئية الكبرى وهذا يستوجب مخططات واستثمارات ضخمة وتجديد تكنولوجي.. أين نحن من كل هذا؟ لا شيء أو يكاد حصل أو هو بصدد الحصول...

صحيح أننا ازاء مشاكل بعضها يعود الى نهايات القرن التاسع عشر عندما تم تأسيس شركة الفسفاط والسكك الحديدية بقفصة بأمر علّي سنة 1897 والبعض الآخر الى سنة 1947 مع تأسيس السياب بصفاقس ثم المجمع الكميائي بعد الاستقلال ومركزة مصانع التحويل في قابس منذ بداية سبعينات القرن الماضي.. ولكن هل يعفي هذا الحكومات السابقة واللاحقة من التخطيط لايجاد الحلول المرضية صحيا وبيئيا واقتصاديا لمواطناتنا ومواطنينا في قابس وقفصة وفي كل منطقة يمكن أن تختلّ توازناتها البيئية والاقتصادية؟!

نحن لدينا اليوم سلطة قائمة بصلاحيات شبه مطلقة منذ أكثر من أربعة سنوات. ومن حق الجميع أن يسائلها على ما فعلت في هذا الملف وهل انتظرت انتفاض أهالي قابس حتى تبدأ التفكير في مسألة يعرفها القاصي والداني من الشمال والجنوب والشرق والغرب؟ وماذا فعلت في ملف النفايات في صفاقس خاصة وفي كامل الجمهورية عامة؟

نحن نسألها هنا فقط على درء المخاطر على السكان وعلى بيئة الأجيال القادمة.. أما جلب المصالح وخلق الثروة والتشاركية الاجتماعية والسياسية والحفاظ على الحقوق والحريات فتبدو وكأنها أضغاث أحلام لا تعني سواء من مازال منا يريد ألا يعيش أبد الدهر بين الحفر

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115