في ظل صمت غربي وعربي: الاحتلال يحوّل المساعدات إلى فخٍ للموت

يكشف الاحتلال يوما عن يوم عن حجم اجرامه عبر استهدافه

للفلسطينون أثناء رحلة حصولهم على بعض من المساعدات، المتمثلة أساسًا في أكياس الدقيق التي يتزاحم الأطفال والنساء والشيوخ في طوابير عند مواقع توزيع المساعدات الإنسانية، بهدف الحصول عليها رغم علمهم بحجم المخاطرة.

فمنذ أن انطلقت آلية توزيع المساعدات الأميركية الصهيونية، باتت المجازر ضد منتظري المساعدات أمرا يتكرر لأكثر من شهر، في ظل صمت دولي يغض الطرف عن هذه الجرائم، التي كشفت وسائل إعلام الاحتلال أنها تتم بتوجيه من قيادة الاحتلال، لتدحض الحجج التي اعتبرت هذه الجرائم حوادث عرضية أو انفلاتًا عسكريًا، لتجنب قول الحقيقة التي باتت ساطعة، وهي أننا أمام سياسة مدروسة، تم توثيقها صوتًا وصورة، وكشفت من خلال جنود الاحتلال أنفسهم في شهادات أدلوا بها لوسائل إعلام عبرية، «هآرتس»، التي نشرت تقريرًا في 27 جوان الفارط أكدت فيه وجود تعليمات لقوات الاحتلال باستهداف منتظري المساعدات.

توجيهات أسفرت، وفق وزارة الصحة في غزة، عن استشهاد أكثر من 580 فلسطينيًا وإصابة قرابة 4200 آخرين، وذلك أثناء تواجدهم في محيط مواقع توزيع المساعدات من قبل «صندوق غزة الإنساني»، آلية المساعدة التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية وتديرها عبر مقاولين مستقلين، مقابل تولي الاحتلال تأمين محيط مراكز التوزيع.

آلية أرادت من خلالها الإدارة الأمريكية والاحتلال تسويق برنامج مساعدات جديد يحل محل الأونروا أو أية مؤسسة تابعة للأمم المتحدة، وكادت أن تمرر ذلك، حتى كشف عن تعليمات عسكرية مباشرة بإطلاق النار على طالبي المساعدات – وهم مدنيون عزل، محاصرون بالجوع واليأس من قبل الاحتلال، الذي أكد تقرير لموقع «ألا» العبري صدر بداية الأسبوع الجاري ما سبق ونشرته هآرتس.

تقارير إعلامية نقلت بشكل واضح وصريح اتهامات موثّقة وُجهت لحكومة نتنياهو، التي كان ردّها تكذيب التقارير وإطلاق عملية دعائية لتسويق رواية مضادة تتهم المقاومة بـ»التحريض على الفوضى» و»استخدام المدنيين كدروع بشرية»، مع التشديد على عدم وجود تعليمات. سردية مضادة يسعى عبرها الاحتلال إلى التنصل من الجريمة، لإدراكه أنها تنسف مساعيه لتحجيم دور المؤسسات الأممية في غزة حاضرا أو مستقبلا، وأنها تسقط ترتيباته التي انطلق فيها منذ بداية الحرب لإنهاء وجود الأونروا أو أي برنامج أممي يقدم خدمات للفلسطينيين ويساعد على بقائهم فوق أرضهم.

ترتيبات دعمتها الإدارة الأمريكية، التي تموّل اليوم صندوق غزة، واختارت الصمت في علاقة بهذه الجرائم، ومثلها صمتت باقي العواصم الغربية التي غضّت البصر وتجاهلت التقارير الإعلامية أو بيانات المنظمات الدولية التي كشفت هذه المجازر ووثقتها.

وهو ما يضعنا أمام صورة صادمة، تتجاوز الكشف عن ازدواجية المعايير الغربية، وتكشف عن استراتيجية متكاملة من قبل الاحتلال بدعم من حلفائه للتنصل من الجريمة، تقوم على ركيزتين أساسيتين: أولا، احتكار السردية الإعلامية عبر تشويه الحقائق وتصدير روايات منقوصة، تزعم أن من يسقطون قتلى هم ضحايا «فوضى داخلية». ثانيا، تغليف العدوان بقشرة قانونية عبر الإعلان عن «تحقيق داخلي» يشرف عليه جيش الاحتلال.

سلوك لا يمكن فهمه إلا ضمن منطق العقيدة العسكرية الصهيونية التي تسعى عبر حروب إبادتها اليوم إلى تفكيك البنى الإنسانية والاجتماعية عبر وسائل التجويع والترويع. وتحويل المساعدات في غزة إلى فخّ للموت، لا ينقذ من الجوع بل يحاصر الفلسطيني بين خياري الرصاص أو الفقر المدقع. وهكذا، تنقلب المفاهيم، فالغذاء لم يعد وسيلة للبقاء، بل ساحة اشتباك، والعمل الإغاثي بات غطاء لسياسات الإذلال والسيطرة.

لكن الأخطر من هذا كله هو أن الإغاثة فقدت بعدها الأخلاقي، وتحوّلت من قبل الإدارة الأمريكية والاحتلال إلى أداة سياسية لإعادة إنتاج السيطرة. وعندما تصبح المساعدات مرهونة بموافقة المحتل وتحت إشرافه الأمني والعسكري، فإنها تتحول إلى وسيلة لإعادة هندسة الخضوع الجماعي، يهدف إلى تحقيق نصر نفسي، وإلى اختراق البنية الاجتماعية في غزة بهدف عزل المقاومة.

لكن المفارقة أن هذا النهج لا يُضعف المقاومة، بل يغذيها. فكل استهداف لطالب طحين يتحوّل إلى شرارة في وعي جمعي مفجوع، لا ينسى من حاصره ومن جعله يموت وهو ينتظر دوره في الصف

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115