المتعلق بوقف إطلاق النار الذي توصل إليه المفاوضون في الدوحة. ولوّح نتنياهو بالتراجع في اللحظات الأخيرة من عقد اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر للموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة مشترطا تراجع حركة حماس عما وصفه بـ "أزمة اللحظة الأخيرة"، وذلك رغم تأكيد الحركة التزامها بكل بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه الوسطاء.
وهدّد شركاء المطلوب للعدالة الدولية بنيامين نتنياهو في الائتلاف اليميني المتطرف، أو ما يسمى "الصهيونية الدينية"، بإسقاط حكومة هذا الأخير في حال قدم الكثير من التنازلات. كما سعت الأوساط اليمينية المتطرفة لإقناع أعضاء في "حزب الصهيونية الدينية" بالتهديد بالاستقالة من الحكومة من أجل نسف هذا الاتفاق، ولطالما تباهى المجرم بن غفير بأن حزبه "القوة اليهودية" أحبط كل اتفاقات الهدنة السابقة.
ويعكس هذا التململ الحكومي الإسرائيلي، بنظر الكثيرين، اعترافا ضمنيا بالفشل السياسي والعسكري لنتنياهو وحكومته ورئيس أركانه بعد 15 شهرا من جرائم الابادة . فحماس صمدت وتمكنت من فرض شروطها التي تتضمن الافراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وخاصة الانسحاب من محوري نتساريم وفيلادلفيا.
ففي خضم هذه الحرب الهوجاء التي استخدمت فيها إسرائيل أعتى أنواع الأسلحة والعتاد والترهيب والتقتيل والتشريد، ومع دمار غير مسبوق عرفته غزة، ظلت المقاومة الفلسطينية بفصائلها قادرة على اطلاق صواريخها التي تدكّ قلب الكيان الصهيوني. ولم تتراجع في هذه المعركة المصيرية عزيمة المقاومين الصامدين دفاعا عن كرامتهم وتراب وطنهم. ولعل الانتصار الوحيد لنتنياهو في هذه المعركة الحاسمة هو الدمار الذي ألحقه بغزة والشهداء الذين قتلهم جيشه الصهيوني بدم بارد وبلا شفقة.
لكن مجرم الحرب الصهيوني ورغم كل المجازر والإبادات التي ارتكبها لم يستطع تحقيق أيا من أهدافه المتعلقة باجتثاث المقاومة واحتلال قطاع غزة وإعادته لسلطة كيانه، واضطر وفده الصهيوني المفاوض للجلوس الى طاولة المباحثات في الدوحة مع حماس في اعتراف ضمني بوجودها كفاعل رئيسي في المنطقة لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال.
ويدرك نتنياهو أكثر من غيره أن لحظة ولادة هذا الاتفاق والتصديق عليه تمثل العد التنازلي لنهايته السياسية. ففي المرحلة القادمة تنتظره العديد من المحاكمات الداخلية التي انطلقت منذ فترة طويلة في قضايا فساد ورشوة واحتيال. وكانت هذه الجلسات تعقد على وقع هتافات منددة بسياساته رفعتها عائلات الرهائن الاسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة .
أما خارجيا فسيكون نتنياهو على موعد مع ملف جرائمه المثقل في الجنائية الدولية التي سبق أن أصدرت مذكرتي توقيف بحقه وبحق وزير حربه السابق غالانت، بناء على اتهامات بارتكابهما جرائم حرب في غزة،. فحتى وإن لم تتمكن هذه المحكمة من اقتياده ومحاكمته كمجرم حرب، بفضل الحماية التي ستوفرها له اللوبيات الصهيونية المؤثرة على الكثير من الحكومات الغربية، فإنه لن يتنقل بحرية في أنحاء العالم فهناك بعض الدول الحرة التي سيخشى من قبضها عليه بمجرد أن يطأ أراضيها.
كما أن خزي وعار المجازر والإبادات الجماعية التي ارتكبها سيلاحقه بقية عمره وأينما حل وهو الذي أصبح رسميا وقانونيا متهما بارتكابها. وستلاحقه لعنة الخبز الملطخ بالدماء والأمهات الثكلى اللواتي أٌجبرن على جمع أشلاء أطفالهن في لحظات اذلال وانكسار وعقاب جماعي للإنسانية جمعاء وليس فقط للغزاويين.
ولربما يأتي اليوم الذي يحاسب فيه نتنياهو على مقتل أكثر من 64 ألف فلسطيني نصفهم من الأطفال والنساء والشيوخ. فقد يرفع عنه الغطاء بعد أن يجرد من حصانته في عالم رأسمالي متوحش لا يعترف إلا بالقوي وصاحب السطوة والنفوذ فإذا فقد كل ذلك لن يجد له نصيرا.
إن ماهو مؤكد أن نتنياهو لن يستطع الإفلات من الاتفاق الذي رحبت به دول العالم وتم برعاية وضمانة أمريكية ومصرية وقطرية لتنفيذ بنوده. فساكن البيت الأبيض القديم-الجديد ترامب الذي يأتي من عالم المال والأعمال والصفقات سيكون من أولى أولوياته حسم ملف غزة وانهاء حربها ليبدأ عهده وفقا لما تمليه مصالحه وصفقاته وهو الذي لطالما رفع شعار " أمريكا أولا".