باعتبارها دولة الحد الادنى الاجتماعي الا انه شدد على ان السياسات العمومية التي تتبعها حكومته ستنصب على تعزيز هذا الدور الاجتماعي للدولة في المستقبل دون ان يحدد هذا المفهوم وما يقتضيه.
في تونس ومنذ الاستقلال كان مفهوم الدور الاجتماعي للدولة مستمدا من رؤية السلطة لثنائية الدولة والمجتمع والتفاعل بينهما في مرحلة ما بعد الاستعمار وبناء الدولة الحديثة التي استوجبت ارساء اركانها وفق تصور قادة دولة الاستقلال بجعلها تلعب دورا محوريا في ثلاثية «الامية والمرض والفقر» لترسم سياسات عمومية كانت تهدف الى توفير حاجيات المجتمع والدولة على حد سواء وفق امكانياتها المحدودة.
هنا كشفت دولة الاستقلال عن رؤيتها للدور الاجتماعي المناط بعهدتها وهما بالاساس التعليم والصحة والذين لا يهدفان فقط لتحسين الوضع الصحي للتونسيين او رفع الامية عنهم بل لتهيئة شروط تعصير الانتاج والادارة في اطار تصور سياسي كان يراهن على ان تكون الدولة واجهزتها قاطرة التحديث على كل الاصعدة خاصة الاقتصادية.
هذه الرؤية للدور الاجتماعي للدولة لم تستند الى اطر فكرية شاملة واضحة للدولة في خطابها السياسي الذي مزج بين مفهوم الدولة الاجتماعية والخدمات والاجتماعية التي وفرتها الدولة، ذلك ان السلطة منذ الاستقلال الى حد اليوم لم تحسم في هذا المفهوم ولم تعلن عن كيفية تمثله.
في مستهل ادارة دولة الاستقلال خاضت تونس تجربة اشتراكية كان شعارها المركزي كذلك التصور الذي قادها ان الدولة هي قاطرة التنمية اي انها المشغل الرئيسي والاضخم للقوى العاملة وذلك في ظل تصور ان من بين الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة «التشغيل» كذلك التعليم والصحة. هذا التمثل للدور الاجتماعي للدولة استمر رغم انتقال البلاد مع الهادي نويرة الى تجربة الاقتصاد الموجه ثم الاقتصاد الحر وسياسات الانفتاح الاقتصادي التي عرفتها مرحلة بن في بداية التسعينات.
خلال هذه السنوات التي قاربت الـ70 سنة تداخل المفهومان في ذهن الفاعلين السياسين وجل النخب والشارع التونسي الذي وقع تحت هيمنة خطاب مزج بين تصورات ليبرالية واشتراكية لتحديد مفهوم الدولة الاجتماعية التي لم يقع تحديد مفهومها في تونس من قبل النخبة السياسية او السلطة الى حد الآن.
حددت الادبيات السياسية الأنثروبولوجية في دول الشمال خاصة الاوروبية مفهوم الدولة الاجتماعية في انها الدولة التي تقدم المساعدات والعون للفئات الضعيفة في المجتمع وحمايتها للمواطنين من إمكانية الوقوع ضحية اقتصاد السوق الرأسمالي. وذلك في اطار تصور سياسي ينطلق من التوزيع العادل للثروة من خلال الموارد والخدمات وسن التشريعات وهو ما تجلى في المقاربات الاكادمية بتحديد اربعة ركائز يقوم عليها مفهوم الدولة الاجتماعية وهي الحماية الاجتماعية وتقنين علاقات الشغل والخدمات العمومية، والسياسات الاقتصادية المدعمة للنشاط الاقتصادي والتشغيل. الدولة الاجتماعية مرتبطة بشكل وثيق وقوي بالديمقراطية باعتبارها الفضاء الذي يسمح بالتماثل الاجتماعي ويوفر شروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي من بينها محاربة الاحتكار العمومي.
هنا نجد ان الوصف الذي قدمه رئيس الحكومة كمال المدوري للدولة التونسية بانها دولة الحد الادني الاجتماعي اقرب الى الدقة والصواب، باعتبار ان الدولة التونسية وما تقدمه من خدمات او تخلقه من مناخ وسياق عام لم يتطابق في جزء واسع منه مع المفهوم الاكاديمي للدولة الاجتماعية.
كيف يمكن ان تصبح تونس دولة اجتماعية لا دولة تقدم الحد الادنى من الخدمات الاجتماعية كالصحة والنقل والتعليم ذات الجودة المتدنية اليوم، بل كيف تكون الدولة التونسية قادرة على توفير الحماية للتونسيين بعيدا عن الاتكالية، اي كيف تخلق شبكة امان تحمي كل تونسي وتونسية من المخاطر والانتكاسات المتعددة المنشئ. اي ما هي السياسات والآليات والقوانين التي تضعها الدولة لضمان توفير الحاجيات الاساسية للتونسيين لضمان قدرتهم على تحسين حياتهم والارتقاء.
هنا تشترط الاجابة عن كيفية تحقيق ذلك تحديد الامكانيات والادوات التي تحتاجها الدولة الاجتماعية و لا يمكن ان يتحقق ذلك في ظل محدودية الموارد المالية وضعف الاقتصاد، ذلك ان نفقات الخدمات الاجتماعية تتعاضم في الدولة الاجتماعية لتغطية حاجيات الافراد للصحة والتعليم والنقل والحماية الاجتماعية وضمان عمل اجهزة الرقابة وغيرها من النفقات المتصلة بالدولة الاجتماعية