حتى يكون متناغما مع خططه العسكرية والسياسية التي تجلت خلال الاسبوعين الفارطين وكشفت عن سعيه الى تغير الواقع الميداني في شمال غزة وفي جنوب لبنان، لفرض احزمة امنية.
يسعى الاحتلال الى تغيير الجغرافيا السياسية في المنطقة وذلك يتجلى في تزامن انطلاق تنفيذه لخطة الحزام الأمني وخطة «الجنرالات»، في جنوب لبنان و في شمال قطاع غزة بهدف تحقيق واقع امني جديد عنوانه الابرز تأمين مناطق التماس مع المستوطنات وضمان امن الاراضي المحتلة من اية هجومات محتملة.
هذا الهدف ادى بقادة الى تطبيق هاتين الخطتين اللتين تتشابهان في عدة نقاط وتتجليان في مشاهد الدمار التي خلفها قصف الاحتلال لقرى ومدن الجنوب اللبناني كذلك في شمال غزة. في الايام الفارطة تجلى ان الاحتلال يسعى الى التدمير والابادة لرسم مناطق عسكرية عازلة في القطاع وفي الجنوب اللبناني لفصلها عن المستنوطنات.
في قطاع غزة انصب تركيز جنود الاحتلال وسلاحهم و نشاطهم العسكري خلال الايام الفارطة، وخاصة امس، على قصف وحرق مناطق سكنية كاملة في مخيم جباليا وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون، مع منع وصول الطعام والمياه والدواء إلى عشرات آلاف الفلسطينيين المحاصرين داخل هذه المناطق.
هذه الجرائم التي يصنفها القانون الدولي جرائم ابادة وجرائم حرب تتواصل لليوم الـ16 على التوالي، في ظل صمت دولي تام، لم يقطعه الا خبر استشهاد يحيى السنوار الذي اعتبرت القوى الغربية الداعمة للاحتلال انه فرصة لعودة المفاوضات بهدف انهاء الحرب واقرار واقع ميداني جديد في المنطقة، ليتضح مرة اخرى دورها الديبلوماسي في دعم خطط الاحتلال.
هذا الدعم يتواصل رغم ان «خطة الجنرالات» التي يقع تطبيقها اليوم في شمال قطاع غزة تقوم على فكرة اساسية وهي ابادة اي وجود على الارض للانسان او للمباني، بهدف جعل شمال غزة منطقة عازلة تحول دون ان تنطلق من قطاع غزة هجمات في المستقبل على غرار هجوم 7 اكتوبر 2023 او رشقات الصواريخ التي تطلقها المقاومة.
هذا السعي من الاحتلال او من داعميه، عسكريا ودبلوماسيا، يكشف عن وجود تنسيق يهدف الى فرض تدابير وواقع جديدين يمهد لتنفيذ خطط الاحتلال لغزة بعد الحرب في ما يعرف بـخطة اليوم الموالي، التي يعتقد اصحابها انها باتت اقرب الى التحقيق بعد استشهاد السنوار في الاسبوع الفارط.
وهذا الاعتقاد يهمين على العقل السياسي والعسكري للاحتلال وداعميه، في علاقة بلبنان لاعادة رسم جعرافيا المنطقة، بفرض حزام امني يقوم بالاساس على ابعاد حزب الله ومقاتليه عن الحدود وتدمير كل قدراته العسكرية وضرب اي حاضنة له في المنطقة، الا ان هذه التقديرات تصطدم بواقع مختلف كليا.
وقد أكدت تطورات الميدان والمعارك ان حسابات البيدر تكذب حسابات الحقل، اذ ان المقاومة ورغم الدمار الرهيب وعدد ضحايا مجازر الاحتلال لازالت المقاومة اللبنانية او الفلسطينية تكبد الاحتلال ضربات موجعة ابرزها كانت في الساعات الفارطة استهداف منزل رئيس وزراء الاحتلال بمسيرة اطلقها حزب الله اضافة الى اطلاق اكثر من 170 صاروخا فيما كبدت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس الاحتلال خسائر في معارك عدة في قطاع غزة وخاصة في جباليا التي شهدت استهدافا لآليات اللواء 401 المدرع افضت الى مقتل قائد اللواء وفق ما اعلن عنه الاحتلال، مما يكشف عن حدة المعارك في القطاع ومدى ضراوتها على عكس الاعتقاد بان المقاومة تلقت ضربة موجعة وقاصمة بمقتل زعيمها يحيى السنوار.
هذه التطورات تبين ان الحرب في المنطقة بلغت اشواطها الاخيرة وان هذه المرحلة تكشف عن عمق المأزق الذي بات فيه وتجره كما تجر حلفاءه الى اسواء كوابيسهم، خاصة بعد عملية البحر الميت التي قام بها شابان اردنيان، مما ينذر باتساع رقعة الحرب لتجر اليها لاعبين جددا.
حرب اذا تواصلت، في ظل عجز دولي عن الزام الاحتلال بالاقرار بالقانون الدولي، لن تفتح ابواب الاضطرابات والحرب في المنطقة فقط بل قد تشجع دولا من خارجها على استثمار المناخ الدولي الذي فرضته لفتح جبهات جديدة، وهذا ما لوحت به الصين بدعوة رئيسها لجيشه للاستعداد للحرب ايام معدودات بعد اجراء مناورات عسكرية على تخوم جزيرة تايوان تمت فيها محاكاة عمليات انزال على الجزيرة.
مشهد قد يكون في تقييم الاحتلال وداعميه متجها الى خاتمته وان مرادهم قد تحقق، الا ان تفاصيل المشهد تبرز معضلات عديدة تكشف عن مستقبل مختلف عما يريدونه