وهو ما يُستشف من تحذيرات صدرت عن أكثر من مسؤول أوروبي تحدث عن خطورة الوضع وذلك في خضم الزيارات الدبلوماسية التي أداها هؤلاء الى بلد الأرز خلال الساعات القليلة الماضية. فوزير الخارجية الألماني عبّر صراحة عن أن الوضع على الحدود اللبنانية مع " إسرائيل "أكثر من مقلق. وفي السياق نفسه قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل امس الاثنين إن الشرق الأوسط على أعتاب امتداد رقعة الصراع إلى لبنان. ويأتي ذلك بعد أيام من تلويح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أن تل ابيب تستعد لتغيير الوضع الراهن على الحدود مع لبنان، وذلك في إشارة إلى المواجهات المتواصلة مع "حزب الله" منذ 8 أكتوبر.
فهناك قرابة 60 ألف إسرائيلي يعمل الكيان الصهيوني على إجلائهم من المناطق الحدودية القريبة من لبنان، في مؤشر الى أن تل ابيب تسير نحو الخيار العسكري لإبعاد حزب الله عما تسميه "الحدود الشمالية" . وسبق لجيش الاحتلال أن أعلن أنه تمّت الموافقة على الخطط العملياتية للهجوم على لبنان لوقف هجمات "جماعة حزب الله".
"الحرب الشاملة" و"تغيير الوضع الراهن" كلها مصطلحات تعكس ملامح المرحلة القادمة التي قد تكون الأكثر قتامة في تاريخ المنطقة التي شهدت حروبا عديدة مع الكيان الاسرائيلي . ولعل هناك عدة أسباب تدفع نتنياهو الى خلط الأوراق من جديد والتصعيد أكثر مع لبنان ، أولها فشله في تحقيق الأهداف المعلنة من حرب غزة وهي القضاء على حماس. فطوال الأشهر الماضية من حرب الإبادة الشاملة اقترفت آلة الحرب الصهيونية كل أنواع المجازر والانتهاكات وجرائم الحرب ...وحصل نتنياهو نتيجة هذه السياسة التدميرية على "غزة جريحة مدمرة" وحقق "عار المجاعة الإنسانية "التي تلاحق كيان الاحتلال، وتعرض جراء هذه الابادات الى ملاحقات قضائية بالجملة له ولقادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية ، بينما بقيت صواريخ المقاومة تدكّ كيانه الغاصب ولم يتغير شيء في المعادلة على الميدان. هذا الفشل الإسرائيلي في استئصال فصائل المقاومة الفلسطينية والذي أخرّ عملية تسليم الرهائن الإسرائيليين ، ساهم في تأجيج الغضب داخل الشارع "الإسرائيلي" الى أقصى درجة وباتت المطالبة بإسقاط ومحاكمة نتنياهو هي العنوان الأبرز في كيان الاحتلال.
أما السبب الأخطر لفتح جبهة لبنان على مصراعيها ، فهو عملية " الهدهد" الاستراتيجية التي عرّت كيان الاحتلال وقدراته العسكرية ومواقعه الاقتصادية والأمنية الحساسة في حيفا وجوارها . كلها باتت مكشوفة أمام "الهدهد" المقاوم من لبنان بكل ما يحمله من أبعاد استراتيجية ورمزية دينية وتاريخية، جعلت حكومة الاحتلال أمام سيل جارف من الانتقادات الداخلية . ويبدو ان هذا الاختراق غير المسبوق لحزب الله ، هو بالنسبة لقادة الاحتلال تجاوز لكل الخطوط الحمراء وتهديد غير مسبوق لوجودهم وأمنهم القومي من الداخل .
الأكيد أنها ليست المرة الأولى التي يعيش فيها لبنان حربا مع الكيان الصهيوني ، فبلد الأرز قدّم مواكب المناضلين فداء للوطن وأرضه سُقيت بدماء الشهادة دفاعا عن آخر ذرة تراب في صور وبنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، والبقاع الغربي والنبطية وجزين وغيرها من القرى الجنوبية المحررة والتي كانت تحتلها المليشيات العميلة لإسرائيل .
وللإشارة فإن " إسرائيل "لم تغفر للبنان ولمقاومته هزيمة الانسحاب عام 2000 من كل القرى التي احتلت عام 1978 ، وكذلك حرب تموز التي انتهت بنصر للمقاومة عام 2006 بعد اعتماد قرار مجلس الأمن 1701 الذي تضمن آلية انتشار الجيش اللبناني في الجنوب وتعزيز قوات اليونيفيل. وتلت هذه الحرب استقالات بالجملة داخل كيان الاحتلال شملت آنذاك وزير الحرب ورئيس الأركان وعدة ضباط في الجيش.
وطوال الأعوام الماضية ساد نوع من توازن الرعب بين الجبهة اللبنانية مع الاحتلال الإسرائيلي ، لكن حزب الله بات اليوم مسلّحا بشكل أقوى ويمتلك ترسانة عسكرية فاقت توقعات تل ابيب ، ومقاتلوه مدربون ومحمّلون بعزيمة النصر ولا يخشون كل ما تمتلكه "إسرائيل" من عتاد بدعم أمريكي .
فالحرب قادمة وستكون واسعة ومدمرة وشاملة ، ونحن اليوم على أعتاب ذكرى حرب تموز / جويلية 2006 ، فهل يعيد التاريخ كتابة الهزيمة الصهيونية على أرض الجنوب اللبناني، وأي مستقبل للمنطقة سترسمه الحرب القادمة.؟