الرئيسي في المنطقة الكيان المحتل، بضرورة ان يقلص من حربه على قطاع غزة وان يقبل بما يعرض عليه من مخارج عسكرية وسياسية تقترحها اليوم ادارة جو بايدن وتسوقها في المنطقة، عنوانها الابرز انتقال الحرب الى مرحلة ثالثة وبداء مسار سياسي لما عرف منذ اليوم الاول من الحرب في 7 اكتوبر بـ «اليوم التالي».
الهاجس الامريكي بالاساس ومنذ الاسبوع الثاني من الحرب كان ترتيب ما عبر عنه بالوضع الامني والسياسي في قطاع غزة بعد الحرب، وكان يعتقد ان الكيان سيغادرها وقد حقق اهدافه في امد قصير، وهذا ما لم يتحقق، فحصيلة جيش الاحتلال كانت الاف جرائم الابادة التي اودت بحياة اكثر من 23 الف شهيد جلهم من الاطفال واصابة اكثر من 60 الف اخرين، مقابل مئات من القتلى في صفوف جيش الاحتلال وتكبده لخسائر في عتاده وقدراته القتالية بعد ان صمدت المقاومة لاكثر من 95 يوما.
اليوم عاد وزير الخارجية الامريكي أنتوني بلينكن الى المنطقة في زياته الخامسة وذلك بهدف اعادة ترتيب اليوم التالي من الحرب، فما تعلنه الولايات المتحدة على لسان مسؤوليها من تصوراتها لما بعد الحرب ولمسار الحل السياسي للصراع وما تطالب به حلفيها الصهيوني، يبين انها تسعى جاهدة لحسم الحرب او على الاقل الانتقال بها الى مرحلة اقل حدة وعنف وذلك الى حين استكمال ترتيبات ما بعد الحرب.
يبدو انه وقع التقاط ذلك من قبل الاحتلال ورموزه السياسية وذلك فق ما نشر في صحيفة «واشنطن بوست» على لسان مسؤول امريكي رفيع المستوى رفض الكشف عن اسمه، ليقع اعلام الجانب الامريكي قبل انطلاق زيارة بلينكن للمنطقة ان جيش الاحتلال الصهيوني وضع خطة للانسحاب من شمالي قطاع غزة وانطلق في تنفيذها تدريجيا بسحب الآلاف من جنوده، وان هذه العملية تندرج ضمن تصور جديد للحرب على غزة يسوق لها اليوم تحت مسمى المرحلة الثالثة.
هذه المرحلة الثالثة تتضمن وفق ما ابلغ به الاحتلال الادارة الامريكية تقليص العمليات العسكرية في قطاع غزة وخفض وتيرة القصف الجوي والانتقال الى الاعتماد على القوات الخاصة لتنفيذ عمليات جراحية ضد قادة حماس وتصفيتهم. وذلك ما سبق ان تعهد به الاحتلال للادارة الامريكية منذ اسابيع الا انه لم يلتزم به، وذلك وفق ذات المصدر الذي استندت إليه الـ«واشنطن بوست».
وهو ما يعنى أن وزير الخارجية يهدف الى الحصول على ضمانات من الاحتلال بالتزامه بتقليص وحشية الته العسكرية والتركيز على استهداف قادة حماس، وعبر عن ذلك بأن المحادثات بين بلينكن ونتنياهو رفقة مجلس الحرب الصهيوني شدد فيها الوزير الامريكي «على تجنب إلحاق مزيد من الأذى بالمدنيين في غزة، وزيادة مستوى المساعدات الإنسانية ». وفق ما قاله المتحدث باسم الخارجية الأميركية الذي سبق واشار الى ان وزيره اكد على ضرورة عودة الفلسطنين الى شمال قطاع غزة وعلى اهمية الحل السياسي لاقامة دولة فلسطينية وضمان السلام في المنطقة.
ما يقوله بلينكن يبدو انه لن يحظى بقبول قادة الاحتلال وهذا ما حرص على ابرازه وزير الدفاع الذي اكد على ان الحرب ستشتد وتيرتها في منطقة خان يونس وان عودة السكان الى شمال غزة مرتبطة بالافراج عن الاسرى لدى المقاومة. وهذا تقريبا ما كرره رئيس الكيان ورئيس حكومته ووزراؤه المتشددون الذين انتقدوا ما اعتبروه « لينا » تطالب به الادارة الامريكية بدل ان تشجعهم على استعمال القوة لمجابهة حماس.
هذا الموقف الصهيوني الذي يكشف عن عمق ازمته بالتلويح باطالة امد الحرب الى حين تحقيق بعض المكاسب السياسية والاستراتيجية بعد الهزيمة في السابع من اكتوبر وما بعده، بهدف تحسين شروط التفاوض في ملف الاسرى وفي مستقبل المنطقة كذلك في الحل السياسي لاداركه ان الولايات المتحدة لن تصمد طويلا في دعمه في ظل مخاطر تهدد بتوسع رقعة الحرب في المنطقة وما سيترتب عنها من تداعيات.
ويبدو اليوم ان الموقف الامريكي يسعى الى لجم حليفه الصهيوني الذي اطلق له منذ السابع من اكتوبر الفارط يده على امل ان يحقق اهدافه المعلنة وغير المعنلة من الحرب التي انخفض مستوى الدعم الغربي لها وكشفت وقائعها الميدانية عن تكلفتها الباهضة عن الجانب الفلسطيني، و أن الاحتلال لم يعد قادرا على تحمل التكلفة المرتفعة للحرب واطالة امدها بنسقها السابق، وذلك لاهتراء آلته القتالية وعتاده رغم الجسر الجوي الامريكي، كذلك لارتفاع وتيرة النقد الداخلي التي باتت تطال جيش الاحتلال الذي فقد الكثير من جنوده وتدهورت حالته المعنوية والقتالية كثيرا، او للتداعيات المالية والاقتصادية للحرب .
كما ان الموقف الامريكي الجديد يعلن صراحة عن سعيه لمنع تطور الحرب على قطاع غزة الى حرب اقليمية وذلك بعد تسارع وتيرة عمليات الاغتيال التي نفذها الاحتلال ضد قادة من حزب الله خلال الايام الفارطة وارتفاع حدة التوتر في المنطقة في ظل استمرار الحرب على القطاع، كما يقدم مخرجا يتضمن تحقيق بعض مطالب دول المنطقة ومنها منع تهجير الفلسطنين وعدم استهداف المدنين والسماح بدخول المساعدات مقابل دعم الاحتلال في الانتقال الى عمليات عسكرية نوعية ضد حماس الى حين الانتهاء من ترتيب خطة اليوم التالي وما تتضمنه من ترتيبات امنية وسياسية في غزة بعد الحرب تحقق من مطالب الاحتلال في نزع سلاح المقاومة وابعاد قادتها.