وعلى القتل والتدمير الوحشيين وغير المسبوقين اللذين عمدا اليهما الاحتلال الاسرائيلي بكل ترسانته الحربية مدعوما بشكل سافر من القوة الاولى في العالم ديبلوماسيا وسياسيا وماليا وعسكريا عسى ان يتحقق حلم دولة اسرائيل في القضاء على المقاومة المسلحة وفي تأليب الشعب الفلسطيني ضدها وفي دفع جزء من اهالي غزة الى الهجرة القسرية والنهائية عن اراضيهم ورغم ذلك مازالت المقاومة المحاصرة برا وبحرا وجوا مستمرة ولديها قدرات قتالية لا ينازعها فيها أحد – سوى البعض منا للأسف – وهي تواجه الآلة الحربية الصهيونية بشجاعة اسطورية وتصيب آليات الغزاة المحتلين وتوقع الخسائر في الارواح يوميا وفي كل المواجهات على امتداد قطاع غزة .
ولم تجد المقاومة الفلسطينية من دعم ملموس خارج فلسطين المحتلة الا مما يسمى بـ«محور المقاومة» وأساسا مع حزب الله في جنوب لبنان والحوثيين في اليمن وبدرجة اقل في العراق وسوريا .
قد يرى بعضهم في هذا كله مواجهة غير مباشرة بين الكيان المحتل وإيران عبر اذرعتها التقليدية يضاف اليها حركتا حماس والجهاد وهم بذلك ينزعون عن عموم الشعب الفلسطيني عامة وعن مقاومته المسلحة خاصة الحق الكوني في مجابهة الاحتلال وينسون، او يتناسون، انه ما من شعب قاوم الاحتلال (والاحتلال الاستيطاني هو اشد وأشرس انواعه) دون دفع ثمن باهض في الارواح والممتلكات.
قد نجد لبعض هؤلاء أعذارا فهم لم يعيشوا تحت وطأة احتلال استيطاني يهدف الى محق شعب بأكمله وطمس هويته وتاريخه والقضاء على حاضره ومستقبله ولكن مراجعة بسيطة لتاريخ الشعوب التي رزحت تحت نير الاحتلال (ونحن منها) كفيلة بإزاحة كل عذر مهما بدا وجيها لأصحابه .
ولا مناص كذلك من الاعتراف بأن جل من كانت قلوبهم وعقولهم مع المقاومة الفلسطينية لم يتوقعوا ان تصمد بعض عشرات الالاف من المقاتلين كل هذا الوقت امام ترسانة مرعبة لا تحترم الاخلاق ولا القوانين وتسخر من الشرعية الدولية كما لا تجرؤ اية دولة على فعله، ولكن المقاومة بدّدت كل هذه اللمخاوف وأثبتت انها استعدت افضل استعداد وان إقدامها على عملية «طوفان الاقصى» لم تكن عملية متهورة بل هي خطوة مدروسة وخطوة حاسمة في مرحلة التحرير الوطني واستعادة الارض السلبية .
لا احد يتوقع سقوط دولة اسرائيل مباشرة ابان انقشاع الغبار الدموي لهذه الحرب فهذا مسار معقد وذو منعرجات عدة ومرتبط بصفة هامة بموازين القوى الدولية ولكن صمود المقاومة وقدرتها على المقارعة اليوم وغدا سيعيد ترتيب الحسابات الاقليمية والدولية بشكل أكيد.
اليوم غالبية الشعب الفلسطيني مع خيار المقاومة المسلحة في قطاع غزة وفي الضفة ايضا خاصة وان الكيان الصهيوني بصلف قياداته وحكوماته المتعاقبة قد قضى على كل امكانية لحل تفاوضي سلمي . هذا ما تفيده عمليات سبر الاراء في الداخل الفلسطيني وخيار المقاومة المسلحة حتى وان وجد اليوم عنوانه الابرز في حركة حماس والجهاد وبقية الفصائل الا أنه لا يُختصر فيها وحدها ولا يمكن الان تصور قيادة فلسطينية لها شرعية الشارع لا تتبنى هذا الخيار.
هنالك اليوم حقيقتان واضحتان: اسرائيل ستواصل حربها المسعورة بحثا عن انتصار وهمي او حقيقي والمقاومة المسلحة ستواصل صمودها وهي لن تستسلم ولن تلقي سلاحها مهما كانت درجة الخسائر التي ستلحقها .
لا احد يعلم بالمآلات ولكننا اليوم امام حرب ارادات ، والنصر المؤقت اليوم هو للمقاومة دون أدنى شك .