وقد حملت في طياتها أحداثا عاشها التونسيون بكل تفاصيلها وتداعياتها، خاصة في الثلث الاخير من السنة الذي عاشه التونسيون على وقع الحرب على قطاع غزة التي طغت على جملة من ابرز الأحداث الوطنية سياسيا واقتصاديا.
منذ مستهل السنة الجارية كان جليا اننا نتجه نحو ازمة سياسية لم تعبر عن نفسها بالشكل الذي عهده التونسيون بل كانت مختلفة وغير مسبوقة مما أحدث نوعا من الارتباك، فمع تعثر المسار السياسي الذي اطلقه رئيس الجمهورية خاصة في محطة الانتخابات التشريعية التي انتظم دورها الثاني في الـ 29 من جانفي الفارط حصل عزوف عن المشاركة بواقع 9 من اصل عشرة ناخبين مسجلين لم يتوجهوا إلى مركز الاقتراع.
وهذا كشف عن ان جزءا واسعا من التونسيين حتى وإن كانوا يدعمون الرئيس ويعربون عن نيتهم في التصويت له في الانتخابات الرئاسية القادمة الا انهم كانوا غير متحمسين لمشروعه السياسي ولا يولونه اي اهتمام، وذلك ما تجدد في الدور الاول من الانتخابات المحلية في 24 ديسمبر الجاري.
واقع سياسي قوامه جزء من الناخبين الذين لم يشاركوا في الاستحقاقين التشريعي والمحلي بتعبيرهم عن غياب الثقة الكلية في آليات العمل السياسي أو عدم اهتمامهم بالشأن العام وهذا يكشف عن استشراء التشاؤم في الشارع التونسي الذي بات بعضه يختزل السلطة في الدولة وفي رئيسها وفي الإدارة لا في الفاعلين السياسيين المنتخبين.
غياب هذه الثقة نجم عن تراكمات سياسية واقتصادية عاشها جل التونسيين في السنة التي نودعها، اذ ان الساحة التونسية عاشت منذ فيفري الفارط على وقع ملاحقة عدد من الوجوه المعارضة لنظام الرئيس أمام القضاء بتهم التآمر التي وجهت في 12 ملفا منفصلا، وهي تودع السنة على وقع قضايا اقتصادية اثيرت ضد عدد من رجال الاعمال او ذوي شبهات فساد مالية مشمولة بالصلح الجزائي الذي تعثر بدوره ولم يحقق ما راهنت عليه السلطة، سواء من حيث حجم الموارد المالية التي وقعت تعبئتها او من حيث الوقع السياسي في المشهد.
هذا التعثر كان جليا في خطاب السلطة التي أقرت ببعض النقائص واعلنت عن توجهها لتنقيح مرسوم الصلح الجزائي واعتزامها التوجه للمجلس بمشروع قانون يتضمن هذه التنقيحات لتفعيل مبدإ الصلح الجزائي وتحقيق أهدافه، واحدها توفير اعتمادات للشركات الاهلية التي انشئ عدد منها الا انها ظلت تعاني من صعوبات جمة اعتبرتها السلطة التنفيذية وخاصة الرئيس مفتعلة من الادارة التي جعلت منذ شهر اوت الفارط تاريخ تنصيب احمد الحشاني رئيسا للحكومة خلفا لنجلاء بودن، أولوية تطهيرها وذلك ما باشره رئيس الحكومة الجديد.
هذه الاحداث المترابطة ساهمت في تعثر اهم رهانات مسار 25 جويلية والتي لم تكن محل اهتمام الشارع التونسي الذي وجه تركيزه الى توفير سبل معاشه اليومي في ظل ندرة عدد من المواد الأساسية في السوق ابرزها منتجات الحبوب التي مثلت ازمة الخبز عنوانها الابرز او ازمة الحليب ومشتقاته التي فسرت كغيرها من الازمات بانها ازمة مفتعلة تقف خلفها اللوبيات والكرتالات وجزء من الادارة الفاسدة.
وقد وقع تفسير كل الهزات التي عرفتها السوق التونسية بفقدان عدد غير قليل من المواد الرئيسية في سلة غذاء التونسيين بالمؤامرة او الفساد المستشرى، وذلك ما بنى عليه خطاب السلطة التنفيذية وخاصة الرئيس الذي اعلن في افريل 2023 عن رفضه لشروط صندوق النقد الدولي وبالتالي رفض الاتفاق معه مما ادى الى تعثر الحكومة في تعبئة موارد مالية عبر الاقتراض الخارجي والذي انجر عنه شحّ موارد العملة الصعبة وصعوبة توفير تمويلات لعدد من دواوين الدولة، كديوان الحبوب او ديوان التجارة.
سنة صعبة عاشها التونسيون على امل ان تحمل في نهايتها ما يطمئنهم على سنتهم القادمة وذلك ما يبدو انهم لم يجدوه في قانون مالية 2024 الذي حمل مؤشرات تفيد بان سنتنا القادمة ستكون للاسف اشد علينا من التي نودعها.