التي يستمر فيها الاحتلال الصهيوني منذ اكثر من شهرين، وجد الامين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش في المادة/الفصل 99 من ميثاق الامم المتحدة ما يسمح له بلعب دوره والضغط على الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن برسالة حذرها فيها ممّا بلغته الاحداث في القطاع وانعكاس ذلك على المنطقة والعالم.
رسالة اعتمدت على بند في الميثاق التاسيسي يسمح للامين العام للمنظمة الاممية « بلفت انتباه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد «تهدد السلم والأمن الدوليين » وذلك ما قام به غوتيريش لاول مرة منذ توليه منصبه ليحذر مجلس الامن من « خطر شديد يتمثل في انهيار المنظومة الإنسانية. الوضع يتدهور بسرعة نحو كارثة قد تكون لها تبعات لا رجعة فيها على الفلسطينيين وعلى السلام والأمن في المنطقة ». وهو ما يستوجب وفق مضمون رسالته ان يتحمّل المجتمع الدولي مسؤوليته وان يستخدم نفوذه لمنع التصعيد ووضع حد لهذه الأزمة والضغط لوقف اطلاق النار الانساني.
ولم يكتف غوتيريش بذلك بل نشر على حسابه في منصة « إكس » (تويتر سابقا) تغريدة قال فيها «في مواجهة الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنساني في غزة، أحث مجلس الأمن على المساعدة في تجنب وقوع كارثة إنسانية واناشده الإعلان عن وقف إنساني لإطلاق النار ». مضيفا ان «الوضع قد يصبح اسوء مع انتشار الأوبئة ».
هذا اللجوء الى الماة 99 من الميثاق فسره ستيفان دوغاريك المتحدث باسم غوتيريش بأنه لجوء الى صلاحية الامين العام التي من النادر ان يقع اللجوء اليها مما يعنى ان تفعيل البند اليوم «خطوة ذات دلالة كبيرة» ليعيد دعوة الامين العام لمجلس الأمن بالدعوة إلى وقف إنساني لإطلاق النار».
هذه الرسالة هي ثاني خطوات الامين العام منذ بداية الحرب وهي تحمل في طياتها دلالات سياسية ودبلوماسية ، ففي خطوته الاولى هدم سردية الاحتلال في علاقة باحداث السابع من اكتوبر وشدد على ان الصراع لم ينشب في ذلك التاريخ بل نشب قبله كما ادان سياسات الاحتلال العنصرية والاستيطانية، وهو اليوم يقدم على خطوة ثانية تحرج الدول الداعمة للاحتلال وخاصة الولايات المتحدة الامريكية التي عملت في السابق على افشال 4 مشاريع قرارات لهدنة انسانية.
خطوة تسلط الضغط على الثلاثي الغربي الداعم للاحتلال، فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية، في مجلس الامن الذي يعمل اليوم على مسودة قرار لادخال المساعدات الانسانية الى القطاع، وسيكون اليوم أمام حرج سيدفع به الى اصدار قرار يتجاوز مجرد ادخال المساعدات او الدعوة إلى هدنة انسانية غير ملزمة. وهذا ما التقفه الاحتلال ووزير خارجيته الذي اعتبر ان الامين العام بات يهدد السلم الدولي ويدعم حماس.
بذلك أصبح الامين العام هدفا مرة أخرى لحملة الاحتلال الصهيوني، الذي يدرك ان تفعيل المادة 99 حدث له دلالات سياسية وهو أن الحرب لم يعد من المسموح امميا استمرارها وان الدعم الامريكي للاحتلال وحربه يجب ان يتوقف لتجنب كارثة انسانية غير مسبوقة ومنع اتساع دائرة التداعيات المحتملة لها. كما ان هذه الرسالة ستكون ورقة ضغط بيد الصين وروسيا اساسا للضغط من اجل تمرير قرار بوقف اطلاق النار، وهو ما كانت الدولتان تطالبان به على لسان ممثليهما في المجلس منذ اسابيع اي ان هذه الرسالة قد تكون نقطة ارتكاز للدفع بمجلس الامن الى عقد جلسة عاجلة للنظر في امكانية التوصل لوقف إطلاق نار مستدام في قطاع غزة. وسيكون الضغط هذه المرة أشد على ممثلي الولايات المتحدة وبريطانيا بالاساس، اذ ان رسالة غوتيريش تعري حجّتهما ومن خلفهما حكومتيهما وتجعل من التمسك برفض اطلاق النار الى حين تحقيق الاحتلال لاهدافه العسكرية والاستراتيجية يضعف من نفوذهما لاحقا ويجعلهما اكثر عزلة في المشهد الدولي المنقسم اليوم.
كما أن رسالة الامين العام تحرج الحكومات الغربية امام مواطنيها أمام الراي العام فيها وتجعل منها بشكل صريح ومباشر شريكة في قتل الفلسطنين وابادته اذا لم تبادر إلى الضغط اليوم من اجل وضع حد للحرب، قبل ان تنفلت الامور، وهذا ما يحذر منه غوتيريش الذي لفت نظر الجميع بما في ذلك الدول العربية التي تلتزم الصمت ومشاهدة الوضع الى أن مصالحها مهددة بدورها.
فالحرب على قطاع غزة اذا لم تتوقف بشكل عاجل ستلقي بظلالها على دول الجوار وخاصة على دول الطوق التي اكتفت بادانة الحرب دون القدرة على توحيد موقف الدول العربية في سبيل اجراءات عملية لدعم الشعب الفلسطيني ووقف الحرب عليه، اليوم برسالة غوتيريش ستكون نفس هذه الانظمة امام حرج كبير وخطر سياسي واستراتيجي اكبر مستقبلا، مما يعنى انها اليوم مطالبة على الاقل بحفظ ماء الوجه والدفع بحركة غوتيريش الى نهايتها وهي وقف الحرب.