نبهت القوى الديمقراطية والمدنية إلى خطورته ومصادرته للحريات عامة ولحرية التعبير خاصة وكان الرد شبه الرسمي آنذاك أنه لا مجال لهذه التخوفات لأن المرسوم انما جاء لمكافحة «الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال» كما يدل على ذلك اسمه وأن المراد به وضع حدّلجرائم الثلب والتضليل عبر شبكات التواصل الاجتماعي لحماية الحقوق والأعراض التي تنتهك في كل ساعة وحين.
لنترك الآن النوايا جانبا ونمر لنرى الحصيلة الواقعية بعد أكثر من 14 شهرا من دخول هذا المرسوم في الترسانة القانونية الردعية في البلاد.
لقد حصلت عشرات الإحالات، ان لم تكن أكثر، بمقتضى هذا المرسوم على التحقيق. ترى من كان المشمول بها؟ صحفيون ومحامون وسياسيون والعديد من المواطنين الذين كتبوا تدوينات ضدّ السلطة القائمة أو ضدّ بعض أفرادها.. على حدّ علمنا ومتابعتنا اليومية ولم يحل بمقتضى هذا المرسوم سوى الناقدين أو المعارضين أو المعترضين على السلطة فقط لا غير وكان منطوق واقع الحال يقول أن «الجرائم» المقصودة في هذا المرسوم إنما تتعلق فقط بأقوال وكتابات كل ناقد للسلطة ومنتقد لها.
لو كنا نريد معاقبة الثلب والتشويه المقصود وحملات الكذب والتضليل بالامكان استعمال الترسانة القانونية الموجودة دونما حاجة لنص قانوني اضافي تصل فيه العقوبات السالبة للحرية إلى 10 سنوات سجنا عندما يتعلق الأمر بموظف أو بشبهه.
ثم ماذا عن التشويه والثلب الذي يقترفه بعض الداعمين لمسار 25 جويلية ضدّ خصومهم؟ هل تمت إحالة واحد منهم بمقتضى هذا المرسوم؟ والحال أن كمية الثلب والقذف والاعتداء أكثر من أن توصف ورغم ذلك لم تتحرك النيابة العمومية يوما واحدا لحماية مواطنات ومواطنين تونسيين من الشيطنة والهرسلة والتجريح الممارس ضدهم لا فقط على شبكات التواصل الاجتماعي بل وأيضا في بعض وسائل الاعلام وبأقلام وأصوات لا يتخفى أصحابها.
ماذا ربحت بلادنا من هذا المرسوم؟ اسكات صوت المعارضين والناقدين؟ لا، حماية أعراض الناس من الثلب والتشويه؟ لا كذلك إلا اللهم لو حصرنا الناس في المتقلدين لمسؤوليات رسمية اليوم في البلاد.
إن نتيجة هذا المرسوم هي الزج بالقضاء وبقوة لحسم خلافات سياسية مجالها الطبيعي هو الفضاء العام التداولي فقط لا غير.
ضرر هذا المرسوم لا ينال المعارضين للسلطة فقط بل هو يشمل السلطة ذاتها ويعطي صورة سلبية عن بلادنا.
في تونس يردد الجميع، حكما ومعارضة، أن حرية التعبير خط أحمر.. ألم يحن الأوان بعد لوضع الأفعال والنصوص القانونية في تناغم جدي مع الأقوال والشعارات؟!
الحريات مفيدة -ولاشك- للحقوقيين والاعلاميين والسياسيين ولكنها مفيدة أيضا للسلطة لأنها تسمح بانسيابية الحركة الفكرية والسياسية في المجتمع كما أنها مفيدة خاصة لسائر المواطنات والمواطنين حتى نكون فعلا مواطنات ومواطنين لا مجرد رعايا، فالدعم الوحيد المفيد للسلطة، أيا كانت هذه السلطة هو دعم المواطنات والمواطنين الأحرار أما دعم وتأييد الرعايا فيذهب زبدا كالجُفاء.