وتربعه على عرش القارة السمراء، فإن المستوى المتميز الذي قدمه لاعبوه مكّنهم من طرق أبواب تجارب احترافية مع فرق أوروبية عريقة على غرار متوسط الميدان إسماعيل بن ناصر الذي انتقل من امبولي إلى نادي ميلان الايطالي لمدة 5 سنوات بصفقة ناهزت 16 مليون يورو والتحق به رياض طاهر وهو لاعب واعد لم يتجاوز 17 سنة وتكون في اولمبيك مارسيليا. اما رامي بن سبعيني مدافع محاربي الصحراء فقد انضم الى بوروسيا منشنغلادباخ الألماني قادما من رين الفرنسي بصفقة بلغت 7 ملايين يورو.
في الطرف المقابل، يبدو أن لاعبي المنتخب التونسي جنوا تبعات مشاركة لم ترتق الى الآمال في نهائيات مصر وانتهى الأمر بهم الى أندية مغمورة في وقت كنا ننتظر ان يكون «الكان» محطة يفجرون فيها طاقاتهم وينجحوا في استقطاب مبعوثي أقوى الفرق الاوروبية لكن تتالت المفاجآت منذ اسدال الستار عن المشاركة التونسية في النسخة الثانية والثلاثين من النهائيات وبدا لاعبونا يتوافدون على فرق الصف الثاني في أفضل الحالات ان لم يكن بعضها أندية مغمورة لم يكتشفها الشارع الرياضي التونسي إلا مؤخرا فغيلان الشعلالي التحق بمالاتيا سبور التركي وأيمن بن محمد انضم إلى لوهافر الناشط بدوري الدرجة الثانية الفرنسي وثنائي ديجون الفرنسي أسامة الحدادي ونعيم السليتي التحقا بالاتفاق السعودي وعاد يوسف المساكني الى الدحيل بعد نهاية فترة إعارته الى اوبين البلجيكي وربما نقطة الضوء الوحيدة تتمثل في انتقال متوسط الميدان الياس السخيري إلى كولن الألماني...ولعلّ ذلك يدفعنا الى التساؤل عن السبب الذي يجعل اللاعبين التونسيين يفشلون في الاحتراف بفرق أوروبية كبيرة على خلاف لاعبي المغرب والجزائر ومصر رغم ان المناخ والعقليات تكاد تكون متشابهة.
استثناءات قليلة
في حديثنا عن التجارب الاحترافية الفاشلة فهي أكثر من ان تحصى وتعد ولكن في حديثنا عن تجارب النجاح فهي تعد على أصابع اليد الواحدة ويمكن ان نذكر في فهذا الاطار حاتم الطرابلسي الذي خط اسمه بأحرف من ذهب مع اجاكس أمستردام الهولندي قبل أن ينتقل الى مانشستر سيتي الانقليزي في تجربة حكمت الإصابة على نهايتها سريعا. كما يمكن ان نذكر زبير بية مع فرايبورغ الالماني وراضي الجعايدي مع ساوثمبتون الانقليزي وهو يشرف حاليا على تدريب اصنافه الشابة. في المقابل كانت الآمال معلّقة على بعض الأسماء للنجاح لكنها مرّت بجانب الحدث على غرار ياسين الشيخاوي الذي انضم الى زيوريخ السويسري وتألق معه ليجلب اهتمام بيارن ميونيخ لكن تتالت الإصابات لتحول وجهته الى البطولة القطرية قبل العودة الى فريقه النجم الساحلي وفي نفس الإطار تتنزل تجربة أيمن عبد النور الذي احترف في تولوز وموناكو الفرنسيين وقيل آنذاك انه محل متابعة من أندية عالمية على غرار برشلونة ارسنال ليتعاقد فيما بعد مع فالنسيا الاسباني في تجربة لم تكلل بالنجاح ليعود الى فرنسا من بوابة اولمبيك مارسيليا في تجربة لا يمكن إلا أن نصفها بالفشل وإطلالات خاطفة في التشكيلة الأساسية. كما ينطبق الأمر على صابر خليفة الذي برز ما ايفيان الفرنسي وانضم الى اولمبيك مارسيليا في تجربة انتظر منها الشارع الرياضي التونسي الكثير لكنها لم تدم طويلا ليعود اللاعب الى تونس من بوابة النادي الافريقي ثم خاض تجربة خليجية وسيعود إثرها الى فريق باب الجديد.
غياب الاختيار المناسب...
من أهم الأسباب التي يمكن أن تحول دون نحت اللاعب التونسي تجربة احترافية ناجحة في أوروبا هي سوء الاختيار سواء على مستوى توقيت الاحتراف أو كذلك النادي الذي بإمكانه النجاح فيه وتفجير طاقاته.فلا يخفى على احد أن جل اللاعبين التونسيين يطرقون باب الاحتراف في سن متقدمة عندما يقتربون من العقد الثالث من العمر وهو ما يعقّد مهمّة نجاحه في التأقلم مع البيئة والمناخ الجديد وفرض نفسه مع ارتفاع نسق التمارين والمباريات على خلاف ماهو موجود في تونس. وإذا كان لاعبو بقية دول شمال إفريقيا (المغرب والجزائر ومصر) يختارون الاحتراف في سن مبكّرة ويقدمون تضحيات كبيرة من اجل إنجاح مسيرتهم الاحترافية فإن اللاعب التونسي ليس له طول نفس وتغيب عنه العزيمة وغالبا ما يستسلم بسرعة إذا واجهته المتاعب ويختار الهروب الى تجارب احترافية اضعف بدل المواجهة. كما أن اختيار المحطة الاحترافية المناسبة يحتل أهمية كبرى ذلك أن الاختيار يجب أن يكون مدروسا من كل الجوانب حتى لا تكون الانعكاسات وخيمة على غرار يوسف المساكني الذي يعاني تبعات اختياره بداية مسيرته الاحترافية في قطر بدلا من خوض تجربة أوروبية.
تكوين قاعدي هش وفشل في انتاج المواهب
لا يختلف اثنان في أن البطولة التونسية شحيحة في إنجاب المواهب و«الفلتات» الكروية في السنوات الأخيرة باستثناء يوسف المساكني الذي علقنا عليه آمالا كبيرة لخط مسيرة احترافية ناجحة يترجم بها إمكانياته الفنية لكنه أساء الاختيار عندما اختار الاحتراف بقطر في بداية الطريق بدلا من خوض تجربة اوروبية وانتهى به الأمر في الصائفة الحالية عائدا الى أركان الدحيل القطري بعد مرور خاطف بالدوري البلجيكي من بوابة نادي اوبين البلجيكي على سبيل الاعارة حيث كشفت الكأس الإفريقية الأخيرة أن اللاعب فقد الكثير من إمكانياته بسبب اختياره السيء وإصابة الأربطة المتقاطعة التي حتّمت احتجابه لفترة مطولة. ولعلّ فشل البطولة التونسية في تسويق مواهب متميزة يعود أساسا الى التكوين القاعدي الذي يفتقد الى ابسط القواعد السليمة وتحكمه في اغلب الأحيان العلاقات والولاءات.
اقصاء الكفاءات
من ابرز مظاهر الخور في البطولة التونسية أننا لا نجد الشخص المناسب في المكان المناسب في جل الأحيان خاصة فيما يتعلق بالإشراف الفني على العناصر الشابة او مراكز التكوين، الكفاءة أمر ضروري في كل البلدان المتقدمة ولكنها في تونس لا تكفي لتشغل مهمة ضمن اختصاصك بل الأمر تحكمه العلاقات والولاءات ويتم اقصاء الكفاءات وإبعادها عن مراكز الاختيار والقرار حيث بعض المسؤولين يتصرفون في النوادي وكأنها ملك خاص لذلك من باب المعجزات ان ننتظر من بطولة تترصدها المتاعب من كل جانب أن تنتج أسماء قادرة على النجاح في اوروبا على غرار رياض محرز ومحمد صلاح...