تغوص في التاريخ وتحول المه أملا، السينوغراف علي محمود السوداني، عاشق التقنيات والمبدع في مجاله في رصيده اكثر من 81عمل مسرحي بين السينوغرافيا وتصميم الاضاءة بالاضافة الى ثلاث مؤلفات عن المسرح بين التقنية والعرض.
علي محمود السوداني مدير المسارح في العراق ومدير مهرجان بغداد الدولي، ضيف «المغرب» دعوناه للحديث عن اهمية السينوغرافيا وكيفية إنجاز عرض يجمع بين المبنى والمعنى.
• علي محمود السوداني مدير مهرجان بغداد الدولي في نسخته الاخيرة؟ بما يختلف مهرجانكم عن البقية؟
«لان المسرح يضيء الحياة» هو شعار النسخة الثالثة لمهرجان بغداد الدولي الذي تقيمه وزارة الثقافة والسياحة والآثار ودائرة السينما والمسرح، الدورة كانت مختلفة على مستوى نوعية العروض،كلما كانت نوعية العروض مختلفة من حيث الشكل والرسائل كلما كان للمهرجان منحى جمالي مختلف،
حاولنا قدر الامكان ان يحمل مهرجان بغداد قيما انسانية واجتماعية وفنية، عملنا على ترسيخ التعايش السلمي في العراق، العراق الذي كان بالأمس مشحونا يحتضن اليوم الدول العربية ويحتضن على ارضه دول ساخنة ومتنافرة، مثلا في الدورة حضرت اكرانيا وروسيا،وايران هي رسالة من خلالها نقول لكل السياسات والحكومات، المسرح وحدة ادارية للدول نحن كمسرحيين يجمعنا حب المسرح والرغبة في التعايش والإبداع لنكوّن دولة واحدة اسمها دولة المسرح بعيدا عن بيروقراطية السياسات، بالمسرح جمعنا الدول المتحاربة سياسيا لكنها تجتمع شعبيا وفنيا.
في مهرجان بغداد ارسلنا رسائل دعم الى اليمن، لليبيا لنقول للعالم انّ المسرح فنّ للحياة،لكن للاسف هناك بعض الدول لازالت تتعامل مع العراق وفق التاريخ السياسي وليس الثقافي، ينظر اليه مشحون بمنظومات سياسية سابقة ولا ينظر اليه بصفته عمره سبعة آلاف عام ثقافيا، اخص بالذكر الثقافة السعودية والمصرية، كلتاهما لم تسمح بالسفر لمسرحييها الى مهرجان بغداد الدولي رغم وجود ضيوف من مصر ونقاد وضيوف.
• في الدورة الاخيرة للمهرجان، هناك حضور تونسي وحضور للجانب التكويني؟ اهي استراتجية عمل؟
في العراق لدينا ازمة ممثلات، لذلك قدمنا برنامجا لتبادل الخبرات، برنامج تكويني فتح باب الترشح لكل المغرمات بالتمثيل، اردنا اكتشاف طاقات تمثيلية لتعزيز الساحة المسرحية، ورشاتت قدمتها وفاء الطبوبي من تونس وشذى سالم وجواد الاسدي من العراق ومحمد شرشال من الجزائر، وانتهت بانجاز عرض مسرحي قياسي عنوانه «تساؤلات نسوية».
• بصفتك سينوغراف، كيف تختار العروض المشاركة في المهرجان؟ هل تختلف زاوية نظر السينوغراف مقارنة مع المخرج او الممثل؟
شخصيا بصفتي سينوغراف، محبّ للتجديد البصري اذا العرض لم يدهشني ويحرك مزاجي ويدفعني لطرح الاسئلة بالنسبة لي لا يرتقي ان يكون عرضا مسرحيا، احب العروض الصورية والفكرية في نفس الوقت، بعد الدكتوراه والتجربة اصبحت القراءات تختلف للمسرح، اؤمن اليوم ان للشكل دوره في بناء بيئة عرض مسرحي تساعد على دهشة المتلقي جماليا ولا يساهم في ضعف المعنى، فللصورة ضرورتها في قراءتي للعمل.
• لاوّل مرة في الدول العربية «سينوغراف» يتحمل مسؤولية ادارة مهرجان دولي؟
للمفارقة منذ تأسيس المسرح في العراق ومنذ تأسيس الفرقة الوطنية للتمثيل ومؤسسة السينما والمسرح، لم يمسك ادارة المسارح العراقية سينوغراف او تقني، رغم انّ السينوغراف اقرب بكثير للإدارة لان في المهرجان كلف انتاجية والسينوغراف هو الاقرب لعمل الجداول والقيم المالية ومعرفة توزيعها، رغم اني اشكل لجنة مشاهدة، لكن لا اتحدث عن الفرق المشاركة او الدول، انا اريد العروض الجيدة، جماليا وفكريا، لان الجمهور العراقي جمهور لا يرحم.
ها قد كسرت القاعدة واصبح سينوغراف مدير لمسارح العراق، والجديد اننا نذهب لانتقاء العروض بانفسنا وهو سبب وجودنا في تونس.
• تشتغلون على مسرح ما بعد الصورة؟ مميزاته؟ اختلافه عن الكلاسيكي خاصة والشعوب العربية شعوب نصّ؟
في اعمالي لم اشتغل مطلقا على بيئة النص، بل اعمل على بناء بيئة مجاورة: تشكيلية ، سينمائية، زخرفة، نحت و فنون مختلفة امسرحها، هذه المسرحة افككها حتى يكون المتلقي امام وجبة دسمة، بها شكل بصري يحفز الذاكرة على الاكتشاف، بها مادة فكرية تدفع المتلقي للسؤال والتفكير، لتكون العملية متكاملة لان المتلقي يأخذ معه العرض الى البيت.
مثلا تجربتنا الاخيرة مع جواد الاسدي في مسرحية «أمل» قصوة صراع رجل وامراة هي تريد الاجهاض لان البلد الذي تعيش فيه مكتظ ومشحون بالقتلة وآفة المخدرات والأب يريد التفكير في مستقبل مشرق، هذا الصراع ادى الى موت المثقف، فالمثقف اصبح مشلول لا يعرف دوره الحقيقي، اصبحنا دون محتوى، لذلك اعتمدت في صناعة السينوغرافيا على مكتبة كبيرة آيلة للسقوط، مجموعة من الكتب ساقطة، ويتحول البيت الى تجمع للمياه الاسنة، بالتالي هي صورة بصرية للمجتمعات لخصت سوء البيئة والخدمات الصحية والاجتماعية، المكتبة توجد بها كاميرات كثيرة، تلك العيون التي تراقب العراق في الداخل والخارج، ذاك الادهاش في الصورة سيحمله المتفرج معه، فالعرض الذي لا يثير الجدل بالساحات ليس بعرض مسرحي.
• كيف يؤثر المسرح في متلقي العرض؟
العرض المسرحي في العراق لديه تأثيرات مباشرة يحاول من خلالها يكون مساحة للبوح، اغلب المتلقين لا يمكنهم التعبير عما يسكنهم لذلك يجدون ما يرغبون في قوله على الركح، تصبح المسرحية هنا بمثابة المتنفّس ومساحة للتصعيد، ندخل للمتلقي وجدانيا وفكريا.
• من يتابع المسرح العراقي الحاضر في ايام قرطاج يلاحظ تراجع طاقة الغضب على الركح التي كانت موجودة في السابق؟
بالفعل المشاهد الذكي يكتشف ذلك، في السابق كان العنف حقيقي، اليوم نعيش اثر العنف، في السابق هناك مستوى عنف كبير حتى على ايقاع المدينة، المسرح انعكاس فنّي لحال المدينة، اسوق مثلا «عرض خريف» لصميم حسب الله ، اليوم نعيش انعكاس لهذا العنف، العنف الحاد غير موجد بالشارع لكن موجود اثره ويقدمن من خلال الترميز مثل مسرحية «امل» لجواد الاسدي.
في السابق المسلح موجود في الساحة، لكن اليوم اثره في الذاكرة، هذا التوالد الفكري والمعرفي موجود.
اليوم نعيش بخير واستقرار امني وفي تجاربنا نحاول ان نكون نوعية، والدليل لأول مرة في المهرجان العربي العراق يشارك بثلاثة اعمال في المسابقة، العراق يعرف انتعاشة ونقصان للعنف ويعرف جيل جديد ينظر الى المسرح نظرة مختلفة ويقدم وجع الشعب عبر الرموز.
• كيف يصنع علي السوداني عرضه على المسرح؟ اي آليات يستعملها ليكون العرض بهذا الادهاش البصري؟
«علي السوداني يدخل في عقل المخرج يلفّ لفة ثم يخرج من الناحية الثانية» ربما الجملة مضحكة لكنها الحقيقة،،في تجربتي كسينوغراف قراءة النص لا تكفيني لصناعة العرض، لانه من خلال التدريبات اكتشف المخرج والممثل والفضاء، وتتطور قراءة العرض تقنيا،اناقش واقرأ نص الخشبة ولا اكتفي بنص المؤلف.
ما يميز علي السوداني عن غيره من السينوغرافيين كونه يتحدث بجلسات خاصة مع الممثلين، اعمل على فكرة الممثل السينوغراف، لان الممثل هو من سيتعامل مع الفضاء ويعيش الشخصية وتلك ميزتي، لانني استوحي فضائي من فضاء الممثل فهو الصدق في التعامل مع مساحة العرض، كل هذه المراحل، اجمّعها لصناعة سينوغرافيا تقوم على الادهاش وتحترم الجانب الفكري للعمل المسرحي.
• من السينوغرافيا وانجاز العروض الى الكتابة؟ هل تطورت التجربة؟ ام هي ضرورة؟
ان تكون سينوغراف ومصمم اضاءة وفي الوقت ذاته تمارس هذه المهنة تطبيقيا فذاك امر ممتع وجميل، لكن الاجمل كيف تشارك خبراتك مع المهتمين بهذا المجال، لذلك توجهت الى الكتابة التطبيقية لا مجرد النظريات، واخذت الرقميات والمناظر وتساءلت عن كيفية التعامل معها مسرحيا فجاء كتاب «المنظومة الضوئية وتغير المكان في العرض المسرحي» فشبابنا اليوم يحتاج الممارسة التطبيقية ليطور تجاربه.
بعيدا عن الفارق بين الغرب والعرب، الاحتكاك والخبرة يضيف لشخصيتي المسرحية
من المفارقات في عرض مسرحي بالكلباء احد الشباب تحدث عن الفضاء بمخيلته البسيطة لا الاكاديمية، تفاصيل تشد انتباه، كيف احول اللغة البصرية الى لغة لها معنى؟ فكرة كانت فارقة مع من حيث عملية «الخلق» دون ممثل، كيف يكون الانسجام بين عناصر العرض دون ممثل
• تهتمون بالجانب التقني والسينوغرافي ومارستم هذا الفن في اكثر من دولة؟ ما الذي اضفاه اختلاف المكان الى تجربتكم؟
السينوغرافيا عالم الخلق والتجديد، والتجارب المختلفة تعطي روحا جديدة للسينوغراف، في المسرح الوطني الالماني تعلمت الانضباط والخروج من العبثية، اما فرنسا فعلمتني التفكير بحرية دون قيود اجتماعية او اقتصادية وسياسية فكل الافكار مباحة امام الجمال، اما الدول العربية فتعلمت منها اعادة قراءة للبيئة العربية شكلا.
• لك كلمة الختام، ماذا تقول لجمهور المسرح؟
«انا كلش سعيد» لان المسرح يضيء الحياة بوجود طاقات شبابية حقيقية، اليوم نعيش ثورة حقيقية للشباب على مستوى الشارع والمسرح وانا اليوم «وايد» متفائل لان اليوم الشباب سيضيء البلدان العربية لان المسرح يضيئ لان المسرح لدينا حياة، واذا عمنا المسرح فنحن على قيد الحياة، ويا صناع الجمال كل عام وانتم شريان الحياة لمسرحنا العربي.
السينوغراف علي محمود السوداني لـ«المغرب»: نحن على قيد الحياة لأننا ننجز المسرح
- بقلم مفيدة خليل
- 11:22 15/12/2022
- 1457 عدد المشاهدات
يصنع عوالمه الابداعية بإبهار، يشد الجمهور لتفكيك الصورة مع إمعان العقل في الرسائل المختلفة، وهو يخلق مشهدية بصرية وفرجة مسرحية تتجدد يوميا