بن سلامة حول مصادرة ديوانه «أناشيد الأيام الستّة»، وصلنا من البشير بن سلامة الردّ التالي ننشر فيما يلي أهم ما جاء فيه:
«فيما يتعلّق بما نُشر عن أولاد أحمد في عدد 21 ماي من جريدة المغرب في خصوص مصادرة ديوانه فإنّ المرحوم تحقّق، وهو ما يزال على قيد الحياة، من أنّ الّذي صادر مجموعته هو بن علي الّذي كان مسؤولا عن الأمن في ذلك التّاريخ والدّليل على ذلك هذا النّصّ الّذي اقتطعته من سيرتي الذّاتية[1]، والملتمس نشره لاحقا، والّذي لم يكذّبه أولاد أحمد وهو ما يزال على قيد الحياة آنذاك. وللتّاريخ فإنّه لم يترتّب عن رسالتيه أيّ ضرر له في الوظيفة الّتي كان يتمتّع بها (...).
وفيما يلي النّصّ الّذي شرحت فيه ملابسات المسألة:
«ومن الإشارات الواضحة ما كان يعلمني به المرحوم محمّد العروسي المطوي رئيس اتّحاد الكتّاب التّونسيّين ورئيس اللجنة الاجتماعيّة والثّقافيّة بمجلس النّوّاب من أنّ الأمن أصبح يتدخّل في شؤون الكتّاب بصورة غير معهودة، عن طريق تأليب بعض الشّبّان الكتّاب على الهيئة المنتخبة، وجلّ أعضائها من المعارضة، وترويج أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان بدعوى أنّ الاتّحاد لا يخدم مصالح الكتّاب. فنصحته بأن يجتمع بهم ويشرّكهم في نشاط الاتّحاد ويفتح أبواب النّشر في وجوههم.
ولم تمض أيّام حتّى زارني محمّد العروسي المطوي بمكتبي، وأعلمني، وهو متعجّب من السّابقة الغريبة، المتمثّلة في مصادرة وزارة الدّاخليّة للكتب المنشورة في تونس وخصوصا مصادرة ثلاثة كتب لشبّان هم أولاد أحمد وحسن بن عثمان والطّيّب اللبيب. والأغرب من ذلك أنّه وقع إيهامهم بأنّ وزارة الثّقافة هي الّتي صادرت كتبهم. وقال لي : إنّ هيئة الاتّحاد ترغب في عقد جلسة معك. واستقبلت الهيئة وشرحت لها أنّ وزارة الثّقافة غير معنيّة بالإيداع الشّرعيّ حسب قانون الصّحافة، وأنّ دار الكتب الوطنيّة وحدها هي الّتي تتلقّى الكتب الجديدة ضمانا للذّاكرة الوطنيّة، وأنّ بعض مصالح وزارة الدّاخليّة قبل تعيين بن علي كاتب دولة اجتهدت وأرسلت لي مكتوبا ممضى من كتابة الدولة للدّاخليّة ومعه كتب الغرض منها إبداء الرّأي فيها هل هي صالحة للتّرويج أم لا ؟ فأرجعت الكتب مع رسالة بيّنت فيها أنّ وزارة الثّقافة ليس من دورها مراقبة الكتب بل موكول إليها حماية الكاتب والعمل على ترويج كتبه.
وبعد الاجتماع رجعت إلى مكتبي ومعي المرحوم سي العروسي. وطلبت بن علي بالهاتف وسألته عن مصادرة مصالحه لكتب ثلاثة وذكرت له أسماء الكتّاب. فأجابني :
- إنّ فيهم ما يخلّ بأمن البلاد.
- سي العروسي في مكتبي ونريد الاطّلاع على سبب مصادرة هذه الكتب.
- إنّني أحرقتها.
- عجيب ! هل نحن في القرون الوسطى حتّى نحرق الكتب ؟ من هو مدير المصلحة الّذي قرّر ذلك؟
سألته هذا السّؤال لأنّني أعتبر نفسي من رتبة سياسيّة مخــــوّل لها إعطاءه الأوامر ليطبّقها. وذكر لي اسم المسؤول. وقلت له :
- إذن سيتّصل سي العروسي بهذا المدير، ويعقد جلسة معه لنعرف كيف نحلّ المشكل، ونتلافى مصادرة الكتب. لأنّه ليس من المنطقيّ أن تصادر حكومة محمّد مزالي الكتب.
واتّصل سي العروسي بالمدير، وتوصّلنا إلى إيجاد طريقة لحلّ المشكل. ولكنّ بن علي ماطل حتّى رحيلي من الوزارة، وأبقى في أذهان هؤلاء الكتّاب أنّني أنا هو الّذي صادرتُ كتبهم. ولم يقف عند هذا الحدّ بل أوعز لرشيد صفر الوزير الأوّل الجديد المؤتـمِر بأوامره في الواقع 08 /07 /1986... 02 /10 /1987 عندما بادر بتنقيح قانون الماليّة في أوّل أيّامه، بأن يجعل وزارة الثّقافة تتمتّع بالإيداع الشّرعيّ. وأيّ تمتّع ؟ وليس الإيداع الشّرعيّ مجرّد إعلام بصدور كتاب من الكتب كما جاء في القانون بل يترتّب عنه في ذهن بن
علي ترخيصا وجوبيّا. وفرض على وزير الشّؤون الثّقافيّة الجديد زكرياء بن مصطفى تكوين لجنة رقابة للكتاب يرأسها أنس الشّابّي الّذي وجد لذّة شافية كافية ! في تطبيقه لتعليمات وزير الدّاخليّة الجديد الّذي لم يكن إلاّ بن علي. وكلّ الكتّاب يعرفون صولات وجولات هذه اللجنة على الكتب والكتّاب في تلك السّنوات السّوداء الّتي هيمن فيها بن علي على شؤون الدّولة».