«حل ثنية» للصادقين والمختلفين حتى يصنعوا للأطفال فرجتهم ويقدموا لهم مساحة للفرجة في السينما ضمن فعاليات ايام قرطاج السينمائية بالجهات للأطفال.
«بورتو فارينا» تفتح ابوابها لزوارها من محبي السينما والراغبين في اكتشاف المكان والأفلام المعروضة، «بورتوفارينا» او غار الملح تلك المدينة الشاطئية الغارقة في الصمت بعد انتهاء الموسم الصيفي والغنية بالمواقع الاثرية والتاريخية شرّعت نوافذها المطلة على المتوسط ليحلق عبرها النظر والفكر ويلامس اثار السابقين ويتحسس حكاياتهم من خلال ذكريات «جون كلود فرسوت» وعدسة كاميرا كمال بن وناس.
«برج باب تونس» من سجن الى قاعة سينما مفتوحة
«برج باب تونس» يفتح ابوابه للزائرين، في هذا المكان اين كانت تتردد صدى اصوات المعذبين والمسجونين، هنا زنازين تركت على جدرانها بقايا ارواح معذبة وأجساد منهكة هاهو اليوم يفتح ابوابه لتردد صدى ضحكات الاطفال وهم يلامسون الجدران الشاهقة وينظرون من خلف تلك القضبان الحديدية ثم يغادرون المكان، تلك القضبان التي جلس خلفها السجناء لأعوام يحلمون بمعانقة لحظات من الحرية، فالسينما فتحت النوافذ المغلقة، السينما اخرجت الحصن من صمته وأعطت صورة اخرى لبرج باب تونس .
تتداخل احداث اليوم وصوره بقصص الماضي وذكرياته، هنا في هذا المكان المضاء شموعا الذي زينت جدرانه بألوان مبهرة، هنا حيث الاطفال يغنون ويتسابقون للصعود الى الجزء العلوي للبرج سالت دماء كثيرة، هنا اجهضت في الماضي احلام الكثير من الوطنيين واليوم تكتب فيه احلام متجددة، هنا قتلت الافكار الحرة في السابق واليوم تصاغ افكار مختلفة متمردة ومنتصرة للحياة، بين ماضي قاتم وحاضر مضيء تدور احداث فيلم كمال بن وناس، الفيلم الذي انطلق من رواية «ذكريات بورتو فارينا».
فيلم روائي وثائقي انطلق من رواية طفل فرنسي ولد في تونس وعاش سنوات حياته الاولى في منزل بالسجن لانّ والده كان عون حراسة «بورتو فارينا، قضيت طفولتي في سجن كان عون حراسة، كنت اشاهد اناسا يعذبون، جنة طفولتي في جوار جهنم مخيف» كما يقول صوت الراوي بلسان الطفل «كلود»، في البرج عاش الصغير، كان يتمتع بحرية التنقل والجري ويشاهد المساجين موثوقي الاقدام، جنته الصغيرة المطلة على البحر كانت جنهم للفلاقة والمناضلين والمساجين التونسيين، جنتهم المطلة على البحر والافق الممتد كانت مظلمة وضيقة على الكثيرين كما كتب الطفل في مذكراته التي حولها كمال بن وناس إلى فيلم روائي وثائقي يسلط الضوء على برج باب تونس ويحييه من صمته ويخرج الزنازين من ظلمتها وتحويل الساحة التي كانت فضاء للإعدام إلى مكان لعرض فيلم سينمائي والنقاش حول السينما في تونس.
تراوح الكاميرا بين زمني الماضي والحاضر القريب، بين طفولة كلود وكهولته، في «بورتو فارينا» اين عاش طفولته وتعلم ابجديات الحياة الاولى يعود اليها بعد اربعين عاما، فيجد البرج صامتا خاليا من سكانه «سجنائه» يجد المنازل القريبة من البحر سيطرت عليها الرطوبة، تغيرت الصورة الخارجية لاماكن طفولته لكنّ المدينة لازالت تحافظ على طابعها المعماري الجميل وهدوئها، كل تلك الذكريات تتبعها كاميرا كمال بن وناس لتبرز للجمهور القيمة الاثرية والتاريخية للابراج الموجودة قبالة البحر، تلك الاماكن الثرية بتاريخ الجهة تخبئه بين الجدران وخلف الابواب الخشبية العالية.
لأطفال تونس نصيبهم من المهرجان
السينما سبيل للفرح، السبيل مطية لاكتشاف الفضاءات المغلقة والانتصار للانسان وللحياة، في «باب تونس» عاش جون كلود ورحل الى فرنسا حاملا الكثير من رسائل الحب تجاه تونس، في بورتوفارينا كببر الطفل وعشق اول مرة وعرف معنى الحرية، ثم عاد اليها كهلا يحمل في ذاكرته الكثير من الصور الجميلة عن «غار الملح» ليخلد تجربته في رواية بعنوان «ذكريات بورتوفارينا» رواية بلغة موليير، تصور جمال المكان وسحر الابراج المطلة على المتوسط.
«برج باب تونس» شيد في العام 1659 من قبل الاتراك بعد الغزو الاسباني وهو حصن دفاعي دائري يطل على البحر لحماية البلدة انذاك من الهجوم البحري، هو آخر البروج تشييدا في المدينة، وتحول مع الاستعمار الفرنسي الى سجن، وهو مايتناوله موضوع الفيلم.
في رحاب الشاشة الكبرى التقى محبي السينما في افتتاح تظاهرة ايام قرطاج السينمائية للأطفال بالجهات، تجربة وليدة تقدم للطفل الفرصة ليواكب العروض السينمائية بجودة عرض عالية، اطفال غار الملح كانوا اول جمهور واكب المهرجان، ثم ستكون التجربة في مطماطة وجربة، فـ»السينما وسيلتنا للحلم، لازلت اذكر اول فيلم شاهدته في طفولتي، لازالت تلك الصور راسخة بذاكرتي، منها اخترت السينما مجال للدراسة والعمل، اعرف جيدا قيمة الصورة وتأثيرها على الاطفال، لذلك اخترنا ان يكون للأطفال نصيبهم من ايام قرطاج السينمائية، فلأننا نحب الحياة سنحمل السينما الى اطفال هذا الوطن» حسب تصريح السيد شاهين بالريش المنسق العام لايام قرطاج السينمائية للاطفال.
«المغرب»: غار الملح - مفيدة خليل