الوجع والحلم فهم كذلك يصنعون انتصاراتهم ويمشون مسافات منهكة نفسيا لانجاز عمل مسرحي يحترم المتفرج، بين الطفل والفنان خيط رفيع عنوانه الحبّ وهو زادهما للنجاح.
الحبّ والمحبة هما السبيل للدفاع عن حق الأطفال في الفنون من خلال المسرح والفرجة المتعددة الألوان والموسيقى التي وفرتها تظاهرة circuit théâtre لتلاميذ مدرستي اولاد طالب وحمام بياضة.
«السيد حاكي» يفتح صندوق الخيال في مدرسة اولاد طالب
تعزف الرياح سمفونية السلام، تتهاطل زخات المطر لتعطّر الأرض وتحيي تلك الشجيرات من صمتها فترقص أوراقها مرحبة بفصل الامطار، في مساء خريفي قررت الطبيعة أن تشارك زوار المكان فرحتهم، فعزفت الرياح وهطلت الامطار وانتشر شذى الأشجار المرتوية مرحبة بالسيد حاكي ضيف المدرسة الابتدائية أولاد طالب.
في عمق الريف التونسي توجد مدرسة «اولاد طالب»، اربعة اقسام موشاة باللونين الاصفر والازرق، ساحة العلم صغيرة ونظيفة، مدرسة صغيرة لكنها كبيرة في رهاناتها على أبنائها، مدرسة أنقذتها إرادة الإطار التربوي من الخراب «قبل ثلاثة اعوام، لم تكن مدرستنا بهذه الصورة الجميلة، كانت بعض الشبابيك محطمة، والجدران زال لونها، كانت تبدو قديمة جدا لأنها تعود الى العام 1964، لكنّ سمعنا ببادرة رئاسة الجمهورية لاصلاح المدارس، فتوجهت بالعديد من المطالب للادارة الجهوية بسليانة، وتحقق الحلم في الحصول على هبة فبعثنا في المدرسة الحياة، في النهاية المدرسة كنز لأبناء المنطقة، من درّسونا زرعوا فحصدنا، ونحن نريد أن نزرع في تلاميذنا حبّ العلم والمدرسة» حسب تصريح السيد منور خلفة مدير المدرسة.
بين ثنايا ريفية غير معبدة وحذو الوادي وقرب اشجار الزيتون الممتدة على الجبل توجد المدرسة التي فتح فيها «السيد حاكي» صندوقه العجيب ليقدم للأطفال الحكايا ويسافر معهم الى عالم الألعاب والقصص الجميلة.
هيا يا فنّان، احكي لنا حكاية، قدم لنا لعبة، اسرد لنا أحلامنا الصغيرة واصنع منها رحلة عجائبية تغري الكبار بمزيد البقاء والانصات، هكذا يغني الاطفال للسيد حاكي الذي سيصحب الصغار الى عوالم مختلفة، عوالم من القصص ذات العبر والألعاب المحفزة على الذكاء وهدايا تقدم للتلاميذ آخر كل لعبة، فالسيد حاكي يحمل حقيبته العجيبة لتكون وسيلته للسفر في عوالم الأطفال، عالم يخلو من اللعب الافتراضية وينتصر لذكاء الطفل وقدراته على التعبير والتغيير.
«السيد حاكي» عرض مسرحي وفرجوي موجه للاطفال، يقدمه الممثل شادي الماجري وكتب نصوص اغانيه وعبره علاء الفرشيشي وغناها الهادي خليف، مجموعة من الشباب يؤمنون بقيمة المسرح في تغيير الطفل وتعزيز ثقته بذاته وتحفيزه على طلب العلم والرغبة في النجاح، فالسيد حاكي ليس مجرد عرض تنشيطي او تجربة لاسكات التلاميذ بل درس في بيداغوجيا التعامل مع الطفل وتوجيه قدراته اليدوية والذهنية، العمل تجربة للتفاعل مع الأطفال وتقديم مساحة من الحلم لهم حسب تصريح الفنان شادي الماجري فـ «من ارض الحكايا ومن دنيا الخيال، جاءنا بقصة بهية، في كل قصة عبرة ومنها نستفيد،ممثل ذو خبرة ودرس فريد، يبسط لنا الفكرة حتى نفهمها، نحن اذا انتهت القصة سنطلب المزيد» هكذا يتغنى الحكواتي بالفنان ويدعو جمهوره من الاطفال ليرسخ ثقافة الحلم والخيال..
«السيد حاكي» عرض للأطفال يقوم على الأغاني والحكايات والرسائل ذات البعد التربوي، تجربة تجمع بين التمثيل والعروسة لتحرير خيال الطفل وتشجيعه على الحلم، تجربة إبداعية يقدمها الفنان شادي الماجري وهو ابن مدينة قعفور ويعرف جيدا قيمة المسرح وشغف أبناء الهامش بالفنون ورغبتهم في الاكتشاف، «السيد حاكي» سلاح الماجري ليدافع عن الطفولة وأحلامها وحقها في الثقافة، رسالة أمل في الطفل ودعوة للمسؤولين للالتفات لأطفال الدواخل التونسية والانتباه لاهتماماتهم ومشاغلهم، فالمدرسة فضاءهم الوحيد لتعلم ثقافة الاختلاف والفنّ اجمل السبل لتعليم الطفل قدسية الحلم.
المدرسة: كنز الاطفال الثمين
جميل هذا الوطن بتنوعه وألوانه، ممتع اكتشاف ربوع تونس وعمقها من خلال الفنون، ساحر اللقاء مع التلاميذ واكتشاف شغفهم بالفرجة وذكائهم في التعامل مع الأعمال الفنية، من سليانة المدينة تكون وجهة مسرحية «الكنز الثمين» الى مدرسة «حمام بياضة» التابعة لمعتمدية الكريب، سليانة المدينة فالاخوات والاقصاب ثمّ برج المسعودي يليها طريق بوسالم، وبعد كيلومترات توجد «حمام بياضة» منطقة ريفية جميلة، تتوسطها مدرسة ابتدائية تعود الى العام 1958، بعيد الاستقلال كان الرهان على نشر التعليم رهان دولة وبعد اكثر من خمسين عاما على الاستقلال لازالت المدارس تعاني الكثير من النقائص واولها مشكل الماء في المدارس الريفية.
«حمام بياضة» مدرسة كبيرة من حيث عدد القاعات، بها فضاء للعب وملعب صغير للرياضة، تحيط بها اشجار الصنوبر وبضعة زياتين تحرس المكان، والجميل وجود مطعم مدرسي وملعب متعدد الاختصاصات وهو هبة من سفارة اليابان بواسطة جمعية المدينة وتمت الاصلاحات عام 2018، وضمن فعاليات circuit théathre كان لقاء الاطفال مع مسرحية «الكنز الثمين» اخراج طارق الوسلاتي وانتاج مركز الفنون الركحية والدرامية سليانة.
«الكنز الثمين» عمل موجه للاطفال يقدم بلعب مسرحي الصراع بين الكتاب واللعب الالكترونية، تحمل المسرحية التلاميذ الى عوالم الحكايات ويكون البطل «امير» لا يحب القراءة وشغوف باللعب الالكترونية والبطولات الحربية الافتراضية، فيغلق المكتبة ويسمح للاطفاك بتطبيق ما يشاهدونه في العالم الافتراضي على الواقع، عمل مسرحي ينطلق من واقع اطفال اليوم ومدى سيطرة الألعاب الالكترونية الخطيرة على الجيل الحالي، ينقد هذه الظواهر السلبية ويشجع الطفل المشاهد على الكتاب والمطالعة ويوزعون قصصا وسط العرض للأطفال علّهم يتعلمون الدرس ويفهمون عبره ورسائله.
«الكنز الثمين» تجربة مسرحية تحترم عقل الطفل نصا وتمثيلا، تقدم له مساحة من الضحك والتفاعل والنقد، مسرحية تدافع عن الكتاب وقيمة المطالعة في ومن وباء اللعب الافتراضية والالعاب الالكترونية.
«حمام بياضة» جزء من حلم مسرحي وتجربة انسانية توجه الى اطفال سليانة، لقاء حقيقي بين الممثل والطفل المتلقي، دعوة للتمسك بالتعليم كحلّ امثل لتحقيق الذات والنجاح في الحياة.
المسرح فضاء رحب للاختلاف: «السيد حاكي» يدافع عن المدرسة كنز الأطفال الثمين
- بقلم مفيدة خليل
- 13:06 10/10/2022
- 1054 عدد المشاهدات
يحققون انتصاراتهم الصغيرة، يقطعون مسافات طويلة للوصول الى ساحات المعرفة والعلم، يشاركهم الفنانون هاجس