مع شغفهم بالجديد بتاريخ 4اكتوبر 2022كان لاطفال مدرسة منزل نايل موعد مع تظاهرة استثنائية في يومهم الدراسي فعانقوا الموسيقى وانتشوا بالمسرح وحلّقوا لساعات خارج الزمان وخارج المكان.
هنا تناشِدُ العقول المعرفة لتحلق بعيدا خارج ريف معزول عن الفضاءات الثقافية والمراكز الإبداعية، هنا أطفال تسكنهم عزيمة النجاح لتحقيق أحلام تصبو إليها الروح قبل العقل، في مدرسة منزل نايل الريفية تجتمع الأحلام الصغيرة لتكبر في رحاب المدرسة وتنشد عالما أجمل وهو ما تسعى إليه تظاهرة circuit théâtre التي ينظمها مركز الفنون الركحية والدرامية سليانة في دورتها الثانية المدافعة عن حقّ أطفال قرى سليانة في المسرح والفنون.
حيّ على من يغرسون في الطفل حبّ الحياة
حيّ المعلم، حيّ المدرسة، حيّ المسرح، حيّ المواطنة، حيّ الأمل، سلام لأهلي وأرضي وموطني، سلام أيها الطفل الحالم وأنت تشقّ الطريق صباحا إلى المدرسة، تزرع الأرض وردا وإرادة وحياة ومجدا هو نص الكلمة الافتتاحية التي ألقاها الطفل احمد الوسلاتي، فحيوا الحياة انطلاقا من الفن الرابع، حيوّا أبناء الوطن الحالمين الذين ينثرون بوادر الأمل ويزرعون في أبناء الريف المنسيّ حبّ الحياة، حيوا أطفالا لم يكبروا ولازالوا ينتصرون للهامش بإبداعاتهم وأحلامهم، تحية إلى من سكنهم شغف الفنّ ومارسوه حلما ومهنة ولازالوا مصرين على نشره لدى أطفال الريف المنسي وفي اعماق القرى البعيدة عن مراكز المدن والعطشى أبنائها للماء (لا يوجد ماء في مدرسة منزل نايل) والفن أيضا (اقرب دار ثقافة توجد في مركز مدينة سليانة تبعد20كلم عن القرية).
من العاصمة وضجيجها ومبانيها العالية والشاهقة تنطلق رحلة تتبع جنون تظاهرة مسرحية مختلفة، من العاصمة بكل ما تحمله من مخزونها الثقافي وفضاءاتها المركزية إلى سليانة المدينة، مرورا ببرقوا، وصولا إلى قرية «العطيات» فـ»البرامة» وتحديدا المدرسة الابتدائية «منزل نايل» وجهة المهرجان في يومه الافتتاحي، من المدينة بتلوثها البصري وضوضائها السمعية إلى الريف والامتداد حيث لا تتسابق أبواق السيارات أيها يوقظك أولا ولا الاشهارات والإعلانات ولا البناءات الفوضوية بلون الآجر المزعج ولا الجدران الصفراء الموشاة بالكتابات الحانقة فقط الطبيعة هنا تكتب موسيقاها وأصوات لعب الأطفال البعيدة وهدوء يدعوا الروح لتتخلص من أدرانها وتحرر تحرر الصوفيين من أثقال أجسادهم.
في مدرسة تأسست عام 1979 كان اللقاء الأول، لقاء الأطفال لأول مرة مع ممثلين محترفين وفنانين يشاهدونهم في الجهاز الصغير وشاشات الهاتف، هنا لاشيء يدل على الحياة أو الضجيج، طريق نصف معبدة، بضعة منازل متناثرة بعيدة عن المدرسة، حمار ينتظر راكبه ينهي حتى دروسه ويعود، رجل يحمل أثقال العالم على ظهره وهو ينحني ليملأ «بيدون الماء» من العين وحماره يتحرك رافضا البقاء كأنه يجبره ليطالب بحقه في الماء الصالح للشراب، مدرسة تحتضن أحلام أبناؤهم أطفال تزينت وجوههم بملامح الحب رسمها الفنان عبد السلام الجمل وطاقم تربوي يرحب بضيوف المكان ويحاول صحبة التلاميذ اكتشاف عالم المسرح وأبعاده الفنية والإنسانية.
هنا في مدرسة «منزل نايل» كان اللقاء الأول في تظاهرة «مجنونة» تدعم الحق في الفنون والحياة، تظاهرة تتجه إلى أطفال الريف ليكونوا جزء من النسيج المواطني والإبداعي، إليهم تقدم circuit théâtre زاد تمثيلي وموسيقي لتشجيعهم على التمسك بحقهم في الحلم والحياة، تظاهرة تكسر القاعدة وتخرج من الجدران المغلقة وتذهب بالمادة الثقافية للطفل في عمق القرى الريفية، علّه يأخذ جرعة من اوكسيجين المسرح والجنون والشبق بالفنون.
زهير قوجة الفنان الإنسان
هي صوت الروح الهائمة، موسيقاهم مطيتهم للسفر حيث اللاّمكان، أين تنتهي الحدود والحواجز يكون مستقرهم، أمام جمهور الأطفال عزف الفنان زهير قوجة رفقة عزيز بلهاني وشوقي كفاية عدد من المعزوفات الشرقية والتونسية والعالمية، معانقا آلة «الاكورديون» توسط قوجة ولديه من الموسيقيين، كاله يحمل بيمينه عوالم الأمل وبيساره إلياذة الحبّ، اجتمعوا على حبّ الموسيقى وآمنوا بالطفل الإنسان وبقدرتهم على غرس قيم حبّ الحياة والموسيقى في أطفال الريف المنسيّ فبرعوا في العزف وتفاعل الأطفال الذين لمس بعضهم آلة الكونترباص وعلق آخر «يا كبيرة محلاها» ولمس آخرون الإيقاعات فرحين بصوتها الشبيه بصوت «الحجرة وقت نرميها في البحيرة» فكان التفاعل والتلقائية بين موسيقار عاشق وطفل شغوف.
تتواصل المتعة الموسيقية مع طفل لم يكبر، فنان تربى على أغاني «طارق العربي طرقان» فجعلته يحبّ الموسيقى وأغاني الطفل والأغاني المحفزة على قيم الحب والخير والأمل ليختارها مسار موسيقي وانساني، أمام الأطفال غنّى الهادي خليف وانطلق في عوالمه الفنية والموسيقية الموشاة بألوان الربيع وفراشات الأمل تماما كما أرياف سليانة في فصل الربيع، غنى للبطولة، غنى للنجاح ولتمسك الطفل بأحلامه ونجاحه وان قست الحياة أو زمجرت الطبيعة فالنجاح والعلم هما السبيل الأول لتحقيق الكيان.
مسرحية «عرش النفايات»: رحلة لتنبيه الطفل بخطر التلوث
يقدمون مسرحا محترما، يحترمون ذكاء الطفل وقدرته على التحليل والفرجة، ينتصرون لجمالية مسرح الطفل وعمق رسائله، يلعبون بتلقائية ويسعون لإقناع المتفرج رغم كل العوائق الموجودة، أمام جمهور متشوق للفرجة، أمام أطفال يلامسون للمرة الأولى الممثل والمسرح قدمت مسرحية «عرش النفايات» إخراج عمر بن سلطانة وإنتاج فضاء قرين تياتر.
«عرش النفايات» المسرحية الدرس، عمل موجه للطفل يقدم له بعربية بسيطة وأسلوب بسيط خطورة النفايات على الإنسان، مسرحية تعتمد على البعد العجائبي والإدهاش لإيصال رسائلها، أحداثها تدور في «عالم النفايات» في مكان غريب حيث تتجمع كل النفايات وتحاول السيطرة على الأرض من خلال الطفل «المهمل» الذي يلقي بفضلاته في كلّ مكان، في العمل يعتمدون على الجدية والهزل لتوعية الطفل بخطورة النفايات وضرورة فرزها قبل رميها في سلة المهلات.
«عرش النفايات» في مدرسة منزل نايل قدّم في فضاء لعب مختلف، ساحة العلم أصبحت ركحا، غابت الإضاءة وحضر فقط إبداع الممثل ورغبته في تقديم عمل يخاطب عقول الأطفال وقلوبهم رغم حرارة الشمس، على التراب وأمام الستارة البيضاء تألق رامي الشارني وأيمن خبوش وحمدي عبد الجواد وجميلة خنفير وحسام مبروك في تقديم «عرش النفايات» أداء صادق وإتقان لخبراتهم التمثيلية، صدق أمام الجمهور وانتصار للذات ولمسرح يحترم الجمهور.
ها قد أوشك اليوم على النهاية وبدأت الشمس تودع سمائها لتعانق شموخ الجبل ويترك الأطفال مدرستهم بعد يومي استثنائي ستحفر تفاصيله في الذاكرة كالوشم في ظاهر اليد، ويبقى المسرح عنوان للعناق الأبدي بين الأمل والحياة.
افتتاح تظاهرة «circuit théâtre»: هنا تباع السعادة علنا وتوزع فرحا على الجميع
- بقلم مفيدة خليل
- 11:19 06/10/2022
- 1368 عدد المشاهدات
تتسع الاحلام وتكبر معها آمال الطفل في مدرسته ومحيطه، تناشد عقولهم الصغيرة مساحات من الحلم خارج اريافهم المنسية، تتماهى رغبتهم في النجاح