عرض «بحور» لحاتم الفرشيشي ضمن مهرجان المنستير الدولي: تجربة صوفية تنفتح على ايقاعات العالـم

يواصل حاتم الفرشيشي البحث في الموروث الموسيقي الصوفي وهو يعمل منذ أعوام على تجديد الإيقاعات الصوفية وبحورها المختلفة ويتعامل مع موزعين موسيقيين لإخراج «البحور»

من نمطها المحلّي وتوشيحها بموسيقى مشرقية وغربية. هكذا كان العرض أمام جمهور مهرجان المنستير الدولي.
«بحور» عرض موسيقي صوفي يقوم على البحث في الطرق السلامية التي يغنّيها حاتم الفرشيشي وقد أعاد توزيعها الموسيقي رواد رحومة وأخرجها فرجويا الصحبي بن حسن وقدمها قرابة 73منشدا وعازفا لجمهور يقبل على التلوينات الموسيقية باختلافها.
حاتم الفرشيشي والشغف بالموسيقى الصوفية
فنان مختلف، شغوف بالبحث في موسيقاه، منذ سنوات وهو ينهل من الموروث الصوفي ويقدمه الى الجمهور، حاتم الفرشيشي فنان يحترم جمهوره صنع لنفسه مساره الفني الخاص وتميز ببحثه الدائم في التراث الصوفي وأنماط الموسيقى السلامية.
في مهرجان المنستير الدولي قدم الفرشيشي جديده «بحور» وهو رحلة موسيقية تقدم للمتفرج طريق المريدين أثناء تقربهم الى الشيوخ لينهلوا منهم المعرفة وحبّ الذات الالاهية والتقرب إليها، عرض موسيقي صوفي بإيقاعات مشرقية وعربية تميز روّاد رحومة في توزيعها فكانت النشوة الموسيقية الخاصة الجامعة بين التجديد والتقليدي.
صوته عذب وحضوره الركحي مهيب، له قاعدة جماهيرية من أعمار مختلفة، يستطيع شد انتباه الجمهور حتى وان غابت الالات الموسيقية (غني بصوت جهوري حين انقطع التيار الكهوبائي عن المسرح وأكمل الاغنية دون تردد)، احب الموسيقى الصوفية منذ الطفولة وترعرع في عائلة ورثت هذا النمط من الاغاني، حاتم الفرشيشي غنى المقامات وغنى لكبار الفنانين ومنذ اعوام اصبحت له طريقه في الغناء ولقّب بالشيخ (رتبة في الطريقة الصوفية) وأصبحت له انتاجاته الغنائية الخاصة مع الموروث الموسيقي وفي كل عرض يتعامل مع امهر العازفين والاساتذة، لتكون عروضه تونسية الروح ومنفتحة على كل الانماط والايقاعات المحفّزة على البحث والإنصات.
توزع العازفون على الركح، احتلت البنادر منتصف الركح يتقدمها عازف الايقاعات حمادي جلاد، فالموسيقى الصوفية معروفة بصخب ايقاعاتها المتجانس مع تماهي روح المريد مع شيخه وكلما ضرب البندير كان التعبير عن لحظات تخمّر الروح.
الى اليسار توزعت الكمنجات لتكتب جزءا من إلياذة موسيقية ومبحث صوفي متجدد، الكمنجات يعزفها مصطفي السالمي وسامي الزهاني وراوي بن خديجة وايمن القدري ووجدي الحاج عبد الله ورؤوف بن هواس، يمين الركح مجنون الدرامز والإيقاعات حمدي سليمان وعاشق الناي طارق شبيه وعازف الباص امير تريمش وعازف الاورغ وموزع العرض موسيقيا روّاد رحومة، بالاضافة الى خيرة المنشدين الصوفيين مثل رمزي مزالي وايمن رحيم واسكندر العيسى وصحبي حيزم وراشد بشير والقيدوم حسن سعادة، جميعهم شكلوا أجزاء من الصورة البصرية والموسيقية لعرض «بحور» التي ابحر فيها حاتم الفرشيشي في الطرق السلامية والهوية التونسية مازجا بين الاغاني الجديدة والقديمة.
«بحور» عرض متكامل فنا وفرجة
«بحور» عرض مستوحى من «الطريقة السلامية» ويبحر بالمتلقّي من بحر إلى بحر اعتمادا على توزيع موسيقي متجدد تتماهى من خلاله صوت الكمنجة مع ضربات الدفّ،يُقدّم عرض «بحور» رؤية جديدة للإنشاد الصوفي باستعمال تقنيات مسرحية متطورة من إخراج الصحبي بن حسن وتوزيع موسيقي لروّاد رحومة.
ويشتمل تراث السلاميّة على عدد وافر من البحور جمع أغلبها في «سفائن» (مفردها سفينة) وهي مخطوطات يحتفظ بها عادة شيوخ الطريقة، وتشكّل البحور القسم الرئيس لإنشاد السلامية، ويتولّى شيخ الحضرة أداء البحور بارتجال ألحان لها يعيدها المنشدون على إيقاعات بطيئة تضرب على آلة «البندير» كالسعداوي والمدور حوزي والمربع تونسي وجميعها محور بحث حاتم الفرشيشي في عمله الجديد «بحور».
ساعتان من التجوال بين البحور السلامية، جولة روحانية مع المريدين يبحثون عن شيوخهم ليأخذوا مشعل التفكير والتجديد، بصوته الرخيم والقوي تبدأ كل التهليلات التي يغنيها الفرشيشي قبل تقديم المصدح لشيخ آخر ليواصل الغناء فيحدث في أذن المستمع الرغبة في اكتشاف الصوت مرة اخرى، «بحور» هو اسم العرض ويتجاوز عدد البحور في هذا العمل الجديد 13 بحرا على غرار «يا شيخنا يا جيلاني» و»خمّر يا خمار» و»يا بن عروس»، بينها ثلاثة ألحان جديدة بإمضاء الفنان حاتم الفرشيشي، ويفسر العرض العلاقة بين الشيخ والمريد، تلك العلاقة الروحية الغامضة يفككها الفرشيشي بالأغاني انطلاقا من «البحور» وصولا الى «الشطحة» حيث تتحرر الأجساد من واقعها لترقص وصولا «للتهليلة» حين تنتصر الروح للمطلق.
«بحور» مبحث موسيقي جديد يضاف الى الموسوعة الصوفية التونسية، تجربة إعادة توزيع اخرى للاغاني التي حفظها التونسي وورثها، تجربة فنية تنتصر للكلمة الجميلة واللحن الشجي تجمع فنان موسيقيا يؤمن بالاختلاف وقدرة الإيقاعات على التأثير في الانسان وثلة من خيرة الاساتذة والمنشدين اجتمعوا في مشروع واحد فأبحروا بجمهور روسبينا الى عوالم أكثر صفاء حيث الروح منطلقة دائما لتعانق الأمل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115