هكذا يتحدث أبناء القرية بعد عرض فيلم «تمورثيو، آزرو» ذاكرة الارض لشاهين بالريش الذي كرّم قرية الزراوة وسكانها بالعرض الأول للفيلم أمام متساكني المكان الذين رافقوه لأعوام في التصوير وهو أول فيلم ناطق بالامازيغية ويمثل تونس في مهرجان «تافسوت للسينما الامازيغية المغاربية» بالمملكة المغربية.
تونس، الزراوة،رحلة تتجاوز السبع ساعات تنطلق من العاصمة بمبانيها الشاهقة وتنتهي في قرية جبلية تحرس الجبال هادئة وحدها الطبيعة تصنع سيموفنية الخلود فيها، سبع ساعات من الرغبة في اكتشاف المكان ومعرفة سرّ حب «الزروي» لآزرو مدينة الأجداد، من قابس المدينة الى «المدو» فالموازير فمطماطة ثم يسارا الى «سيدي قناو» وبني عيسى وصولا الى «الزراوة» او «آزرو» الوجهة الجبلية المقصودة، أزرو الذاكرة الحية بنسوة لازلن يحافظن على الهوية والموروث ويورثنها إلى أطفالهم.
«آزرو» ذاكرة حية لا تموت
اجتمعوا في قريتهم الصغيرة محملين بذكريات الماضي ملتحفين بحكايات الأجداد والجدات عن القرية الجبلية الزراوة، يقطنون القرية الجديدة ولازالت الافئدة معلقة بالقرية القديمة، لازالوا يتباهون بمنازلهم هناك ويزورنها إما لاسترجاع ذكرى ما أو لتخزين الزيت والمؤونة، لازالت آزرو تسكن الذاكرة وتدعو زوار المكان لاكتشافها.
في «الزراوة» كان العرض الأول لفيلم «تمورثيو، آزرو، ذاكرة القادم» لشاهين بالريش، وهو أوّل فيلم يعرض في القرية منذ بداياتها إلى حدّ اللحظة، أصبح السوق قاعة سينما مفتوحة، تفنن الأطفال في توزيع الكراسي لاستقبال ضيوف العرض من سكان القرية، فالفيلم المعروض جزء من ذاكرتهم من هويتهم وحكاياتهم الصادقة مع الأرض.
«آزرو» القرية الجبلية العالية الشامخة تطلّ على السهول الخضراء هكذا أول مشهد اختاره مخرج الفيلم ليؤكد انّ القرى الجبلية لازالت شامخة بذكريات أبنائها وحنين العودة وان أفرغت البيوت من ساكنيها «انتمي الى الهناك، لا اشعر بانتماء الى القرية الحديثة، ولدت هنا لكن الحنين والحبّ جميعه افتكتهما القرية الجبلية، كلما عدت إلى الأهل صعدت إلى الأعلى لاستنشق عبق الحرية وأتحرّر من كل القيود» حسب تعبير الفنان التشكيلي عمر بن ابراهيم احد جمهور الفيلم وابن مدينة الزراوة.
تتبع كاميرا شاهين بالريش قصص سكان آزرو، يكون العم كاسا «بلقاسم دومة» صوت القرية وذاكرتها، بنايه الحزين يعزف الحان الحنين وتغني معه والدته «غريب وجالي، عمرت وكر الناس ووكرك خالي» ذاك اللحن الشهيدي الحزين المعبر عن لوعة الفراق يكون الخيط الموسيقي الأول لتتبع ذكريات السكان مع قريتهم الامّ.
«آزرو» الذاكرة، آزرو القرية الجبلية المتربعة في أعلى الجبل تحرس سهوله وتذكر جيل اليوم بحكايات الأجداد وقدرتهم على اختراق الجبل ليكون مسكنهم، هي أحد أجزاء من الثالوث الامازيغي «أزرو» و»تمزرت» و»توجوت» لازالت شاهدة على براعة امازيغ تونس في العمارة والبناء، لازالت القرية برموزها وحجارتها تشهد على قدرة المرأة على صناعة الجمال في المنسوجات والوشم الذي يخلّد قصص الحب والتعلّق بالأرض.
«تمورثيو آزرو ، ذاكرة القادم» عنوان الفيلم الذي انطلق تصويره منذ عشرة أعوام، سنوات من البحث والزيارات الميدانية واللقاءات مع العجائز والشيوخ والاطفال لمعرفة حكايات القرية ومميزاتها الجغرافية والانتروبولوجية التي تميزها عن بقية القرى الجبلية، رحلة للتوثيق والحفر في الذاكرة قدمتها كاميرا مخرج احبّ آزرو فكرّمها بفيلم يعرف بها تاريخيا ويقدمها للمتفرج التونسي ومتابعي السينما.
تغيرت صورة المكان، لكنّ النواميس والتقاليد ثابتة
«أزرو»، الزراوة اسمان لمكان واحد، تختلف الجغرافيا بين «الزراوة» الاسم العربي للقرية «ازرو» الاسم الامازيغي، لكن الذاكرة واحدة والحنين واحد، في الفيلم يوثق بالريش للحياة اليومية لسكان آزرو التي تحكيها النسوة الذاكرة الحية للمكان، يصور العرس الزروي بألوانه البهيجة، بين أول يوم تصوير ويوم العرض عقد من الزمن، وقبلها مئات من الأعوام ولازال سكان آزرو يحافظون على تقاليدهم في الزواج والحفلات.
في الفيلم تنقل الكاميرا صور للعروس بلباسها التقليدي الموشى بالألوان، قصص حبّ المكان توضع في ألوان العروس في الواقع لازالت العروس الزروية تحافظ على التقاليد، لازالت العروس تحمل بيدها مرآتها وعلى ذراعها الأيسر وشم الزواج (في القديم وشم حقيقي وحديثا عوّض بالحرقوس) والعريس يتقدمها محاولا عدم انعكاس صورته على المرآة، العروس تتهادى في محفلها وصولا إلى «الجحفة» لتصعد كما الأميرات وسط الزغاريد والهتاف «بالعمار» اما الرجل فينتظر في بيت احد الأقرباء إلى حين وصول عروسه الى بيتها، ثم يعود الهودج والناس لتلبيسه «الجبة والبرنوس» والسير معه الى بيته الجديد وسط صوت «القرابيلة» والموسيقى الجبلية، قبل توزيع وجبة «الكسكسي بالخضار» وجبة العشاء يوم العرس.
الحناء والسخاب والوان المرقوم والزينة التقليدية جميعها جزء اساسي في العرس وفي الفيلم، تقاليد تقع المحافظة عليها الى حدّ اليوم، وابن المنطقة أيا كان مكان اقامته يقيم احتفالات عرسه حسب التقاليد المتوارثة وحفاظا على تقاليدنا، ذلك هو سر بقائنا واستمرار أبنائنا في الحديث بلغة الاجداد الامازيغية» كما يقول العم علي احد ابطال الفيلم.
«آزرو ذاكرة القادم» أول فيلم ناطق باللغة الامازيغية واللهجة المحلية لسكان الزراوة، من يشاهد الفيلم يعتقد أنهم تحدثوا بالامازيغية أو «الشلحة» فقط أمام الكاميرا لتصوير فيلم وثائقي عن المكان، لنكتشف أثناء زيارة القرية لعرض الفيلم أن سكان الزراوة لازالوا يحافظون على لغتهم الأصلية ويتحدثون «الشلحة» في حياتهم اليومية ويورثونها لأطفالهم فقط يتحدثون العربية بوجود ضيف لا يفهم لغتهم، في تلك القرية لازالوا متمسكين بهويتهم وخصوصيتهم المحلية، جميع ابنائهم حتى وإن غادروا القرية بمجرد عودتهم يتحدثون بلهجتهم الأصلية كأنّها جزء رئيسي في حياتهم، والذاكرة لديهم جزء من اليومي وذاكرة القادم.
«آزرو» تعود إلى الحياة في فيلم «ذاكرة القادم» لشاهين بالريش: بين الذاكرة والواقع خيط رفيع اسمه الحنين
- بقلم مفيدة خليل
- 10:34 20/07/2022
- 1635 عدد المشاهدات
ستعود الحياة يوما إلى القرية، سنعود إلى ذكرياتنا وقصص أبائنا وأمجادهم، سنعود لنحيي تلك الحجارة الصامتة وسنزرع فيها ضحكات الأطفال