إيمانًا واحتِسابًا، فيكون قيام ليلة خيرًا من قيام ألف شهر.
إنَّه الرجاء في موعود الله - تعالى - الذي تنزَّل به القرآن الكريم، وفصَّله النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أحاديث عِدَّة عن العشر المباركة وعن ليلة القدر.. وَعْدٌ بأجورٍ عظيمة لا تَخطُر على بالٍ في ليالٍ معدودة، فلا يرجوها إلا مؤمن، ولا يُحرَم منها إلا خاسر.
إنَّ الرجاء كلمةٌ تأخُذ بشِغاف القلوب، وتستَولِي على النُّفوس، فالرجاء حادٍ يحدو القلوب إلى المحبوب.. وهو قُرْبُ القلب من مُلاطَفة الرب.. وهو رؤية الجلال بعين الجمال.. وهو الاستِبشار بجود الله - سبحانه وتعالى - والارتياح لِمُطالَعة كرمه - عزَّ وجلَّ - إنَّه الثقة بموعود الله - تعالى - ولا رجاء إلا بعملٍ صالح، وأمَّا الرجاء مع الكسل عن الطاعات والإسراف في المحرمات، فهو التمنِّي والغرور، ويوم القيامة يُقال لأصحابه: " وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ " الحديد: 14، قال سعيد بن جبير - رحمه الله تعالى -: "هو أنْ يعمل المعصية ويتمنَّى المغفرة".
إنَّ أهل الرجاء أهل إخْبات وعبادة، يتفقَّدون قلوبهم، ويزكُّون بالصالحات نفوسَهم، ويُرابِطون على طاعة ربهم، تَطرَب قلوبهم بالقرآن، وتقشعرُّ جلودُهم من الخشية، وتَدمَع أعينُهم من الخشوع، يلحَظون نِعَمَ الله - تعالى - عليهم في كلِّ أمورهم، ويرَوْن تقصيرهم في حقِّه مهما عملوا، فالشكر ديدنهم، والاستِغفار هِجِّيراهم، ولا تَفتُر ألسنتهم عن الشكر والذكر.
سُئِل أحمد بن عاصم الأنطاكي - رحمه الله تعالى -: "ما علامة الرجاء في العبد؟ قال: أنْ يكون إذا أحاطَ به الإحسان أُلهِم الشكر راجيًا لتمام النعمة من الله - تعالى - عليه في الدنيا، وتمام عفوِه في الآخرة".
وقال شاه الكرماني - رحمه الله تعالى -: "علامة الرجاء حسن الطاعة".
وهذا وصْف الله - تعالى - للصحابة - رضي الله عنهم - لما كانوا أهل رَجاء صادق، صدقوه بأقوالهم وأفعالهم؛ " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "البقرة: 218.
قال قتادة - رحمه الله تعالى -: "هؤلاء خِيارُ هذه الأمَّة، ثم جعَلَهم الله - تعالى - أهلَ رجاءٍ كما تَسمَعون، وإنَّه مَن رجا طَلَبَ، ومَن خاف هَرَبَ".