فأبرز ثمار الصيام: تحقيق التقوى لله -سبحانه-، فمن كان صيامه لا يحقق هذه الثمرة، وكان يوم صومه ويوم فطره سواء فليراجع نفسه.
والتقوى يشمل فعل الطاعات، واجتناب المحرمات، ولهذا ينبغي أن تكون حال المسلم في رمضان أفضل من حاله قبل رمضان، ينبغي عند دخول هذا الشهر أن ينشط في العبادة، ومجالات الخير كثيرة ومتنوعة، ولكن يتأكد منها ما كان فريضة؛ كما قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: "ما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضته علي، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" فيعتني المسلم أولا بالمحافظة على الفرائض، ثم بعد ذلك يستكثر من النوافل، ومجالات الطاعات والخير كثيرة ومتنوعة.
وإن شهر رمضان مدرسة تربوية للمسلم يتربى فيها المسلم على كريم الخصال، وعلى البعد عن المعاصي، وعن رذائل الأعمال، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"(أخرجه البخاري في صحيحه)، ومعنى هذا الحديث: أن من لم يتأدب بآداب الصيام، وكثر منه وقوع المعاصي القولية أو الفعلية التي عبر عنها بقوله: قول الزور والعمل به، وقول الزور يشمل المعاصي القولية، والعمل به يشمل المعاصي الفعلية، فمن كثرت منه هذه المعاصي ولم يحترم الصوم فإنه قد يصل للمرحلة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي: أن الله يدع شرابه وطعامه، أي أنه لا يؤجر ولا يثاب على صيامه هذا، وإن كانت تحصل به براءة الذمة، فهو فقط يكفر نفسه، وتحصل به براءة الذمة، لكنه لا يؤجر ولا يثاب على هذا الصيام بسبب عدم احترامه للصيام، وتجرئه على الوقوع في المعاصي وهو صائم، ولهذا قال أهل العلم: "إن آية معصية تقع من الصائم تخدش في الصيام، وتنقص من أجر الصائم".
وكان كثير من السلف لأجل هذا المعنى إذا صاموا جلسوا في المساجد وقالوا: "نحفظ صومنا، ولا نغتاب أحدا".
فعلى المسلم أن يتأدب بآداب الصيام، عليه أن يجتنب المعاصي عموما في كل وقت، لكن يتأكد ذلك أثناء الصيام، فاحرص حتى يكون أجر صيامك كاملا، وأن لا ينقص أجر الصيام أن لا تقع منك معصية قولية ولا فعلية، احرص على اجتناب الغيبة والكلام المحرم، احرص على اجتناب النظر المحرم، ، احرص على اجتناب جميع المعاصي القولية والفعلية، واشتغل بالطاعات حتى يكون أجرك تاما وكاملا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وبهذا فإن الصوم يحقق هذا المعنى التربوي للمسلم، وهو أنه يتربى على ترك المعاصي، ويتربى على فعل الطاعات في مدرسة الصوم التي مقدارها ثلاثون يوما، وأرباب الأخلاق والسلوك يقولون: إذا أراد الإنسان أن يقلع عن عادة سيئة فعليه أن يقلع عنها في مدة تتراوح ما بين ثلاثة أسابيع إلى شهر، وإذا أراد أن يكتسب عادة حسنة فعليه أن يكتسبها في مدة تتراوح ما بين ثلاثة أسابيع إلى شهر، وشهر الصيام يحقق هذا المعنى، فعلى المسلم أن يحرص على اكتساب العادات الحسنة التي يعمل فيها صالحا، ويجتنب فيها المحرمات، وأن يتخلص من العادات السيئة، وأن يحترم صومه، وأن يحترم هذا الشهر الكريم حتى يتزود منه بزاد التقوى.