وقد احتفى فضاء «مسار» بهذا اليوم العالمي لكنه احتفال اكثر عمقا وانسانية، إذ جمع العرض قرابة ثمانين طفلا صعدوا على الركح وعبروا بكل تلقائية عن افكارهم واحلامهم ومشاكلهم، ابناء مراكز الادماج الاجتماعي الملاسين وسكرة وفوشانة وتونس كانوا نجوم «مسار» ورمز اختلافه في الاحتفالات باليوم العالمي للمسرح في عرض «شانطي2:عاودن ادهن».
العرض هو نتاج مشروع جمع «مسار» للفنون والمعهد الدولي للعمل اللاعنفي ضمن «امكان» للوقاية من التطرف والعنف بين الشباب المعرض لخطر الاقصاء الاجتماعي بالشراكة مع مراكز الدفاع الاجتماعي، ويدافع المشروع عن حقّ الجميع في الثقافة.
تجربة انسانية تنتصر للهامش
اطفال تونسيون الذي حرمتهم الظروف الاجتماعية من الكثير من الاحلام المؤجلة، اجبرتهم قساوة الواقع على ركن امالهم في ادراج مغلقة والجري خلف اليومي علّهم يستطيعون التغيير، اجبرهم الفقر علفى الهروب الى الإدمان، وبعضهم كان ملجؤه مراكز الادماج الاجتماعي في ظلّ عجز العائلة عن توفير ابسط مقومات الرعاية، اطفال يحملون الجنسية التونسية يشاركوننا نفس الرقعة الجغرافية لكنّ احلامهم مصادرة في ظلّ غياب الفضاءات الثقافية والبرامج الترفيهية في الاحياء الشعبية، لهؤلاء الاطفال توجه فضاء «مسار» الثقافي منذ افتتاح ابوابه.
اليهم حمل فكرة نشر الموسيقى والمسرح وتشريكهم في الفعل الابداعي الثقافي الذي يقدمه الفضاء مسار وتشريكهم في انجاز عروض مسرحية وفرجوية يكتبون نصها ويقدمونها امام الجمهور ومن العرض داخل الفضاء الى العرض امام جمهور اكبر في قاعة الريو انتشى الاطفال وهم يلعبون ويقدمون مسرحية «شانطي2: عاود أدهن عمل كمما الحلمة لدى الكثيرين الذين حلموا بمكان يحوي امالهم فاصبحوا نجوم عرض يقبل على مشاهدته الجمهور والمهتمين بالفن الرابع.
«من واقعنا، من دنيتنا، من مشاكلنا،كتبنا ومثلنا هذه الحكايات، من الجوّ العام الذي عشناه رسمنا شعاراتنا، من احلامنا البسيطة، رسمنا قصصنا وعبرنا بأقلامنا وأمام الكاميرا عمّا يسكننا، كثير منّا ازهر في مسار لمدة عشرة اعوام كاملة وآخرين لازالو يتحسسون خطى الفن،لكننا سنكمل المشوار» هكذا تحدث الاطفال بعد العرض في دعوة للجمهور لمزيد الاقبال لمتابعة احلامهم البسيطة يطوعونها ويقدمونها على المسرح ومع العرض كسب فضاء مسار الرهان، كسب الانسان قبل الفن..
تونس الموجعة بعيون واقلام اطفالها
اجتمعوا على حب الفن كوسيلة للتعبير، جمعهم المسرح والغناء ليعبروا عما يخالجهم فولد عمل مسرحي انساني ينتصر للفئات المهمشة وبقدم فرصة للشباب ليبدع ويجد سبيل اخر للأحلام، في قاعة الريو قدّموا عمل «شانطي2عاود ادهن».
«تاتا،انا من الملاسين نمثل معاهم امان ايجا اتفرج فينا وشجعنا، وهذا صاحبي هو من فوشانة اما نمثلوا مع بعضنا» جملة ستسمعها من احد الاطفال الحالمين وهو يدعوا المارة للدخول لمتابعة العرض الذي احتضنه في قاعة الريو، طفل يقنعك بأدائه ويتمسك بحقّه في الابداع ويطلب من المارة ان يركزوا في تفاصيل المسرحية «والله حلمة محلاها وتعبنا في الخدمة» ببراءته وحنكته يقنع عدد من الناس للدخول للفرجة.
«شانطي2: عاود أدهن» عمل جمع الموسيقى والتمثيل والسينما والرقص، تداخلت الفنون لتقديم عرض انساني، عرض تمحى امامه كل القوالب الجاهزة للتقييم وتحضر فقط مزيد الرغبة في الانصات او البكاء امام وجع ومسؤولية يحملها اطفال بعضهم لم يتجاوز السابعة لكنه يتحدث عن مشاكل الوطن بفطنة الكبار.
العمل عبارة عن مشاهد متصلة ومنفصلة في الوقت ذاته، منفصلة من حيث المواضيع المطروحة ومتصلة في تسلسل الاداء وطريقة التعبير عنها، «شانطي2» عمل تونسي الروح والتقديم هو تشريح للواقع وبحث في جزئياته، رحلة يعيشها الجمهور ويقف لساعة من الزمن امام كل مصاعب الحياة التي يعانيها «الزوالي» في هذا الوطن، نقد لانتشار ظواهر مثل التحرش في وسائل النقل العمومي، التدافع للفوز بمقعد في الحافلة، السرقة، والعنصرية تجاه ابناء الاحياء الشعبية، فالأطفال قدموا حكايات عاشوها وعرفوها وخبروا ألمها فكان الاداء صادقا وموجعا في الوقت ذاته.
«شانطي2» تونس الحقيقية، تونس بكل تشوهاتها ومميزاتها أيضا تونس بإضراب النقابات، تونس بسرقة جهد الكادحين وعرقهم قبالة ملاليم قليلة، تونس بصراعات السياسيين، تونس بديكتاتورية بوليسية قصفت احلام عمر العبيدي غرقا في مياه القنال وأصبح شعار «تعلم عوم» عنوانا للشباب، تونس بنسائها المعنفات اللواتي يتساقطن تحت جبروت المجتمع والعقلية الاجتماعية، تونس الساعات الكثيرة التي يقضيها طفل ينتظر قدوم الحافلة، تونس محفظة ثقيلة ومعلومات تجهد الفكر والروح (الكرتابة ارزن مني، رميتها شعرت بالحرية ومنذ تلك اللحظة قررت عدم العودة للمدرسة)،تونس بانتشار المخدرات وبيعها في المؤسسات التربوية (التلميذ ضحية، المخدرات تباع داخل المؤسسة، عن اي حماية تتحدثون)، تونس تعنيف للاستاذ من قبل ابنائه التلاميذ، تونس الخوف من الشارع مساء، تونس السرقة والترويع داخل عربات الميترو جميعها تجدها عى الركح يقدمها من عاش وقع هذه الاحداث فيعيد نقلها مسرحيا باشراف المسرحي صالح حمودة ونجلاء الجريدي منسقة المشروع.
«شانطي2ك عاود ادهن» ينطلق العمل باغاني شبابية وفي الخلفية اطفال يكتبون شعاراتهم على الجدران، مشهد متكرر فالكتابة على الجدران كانت ولازالت وسيلة للتعبير عن رفض السيستام والقمع، وسيلة لكتابة الاحلام الدفينة، من هذه الحركة جاء اسم العرض «عاود ادهن» فالبلدية كلما وجدت كتابة اعادت طلاء الجدار من جديد، المشروع هو للوقاية من خطر التطرف العنيف لدى الفئات المعرضة للتهميش وجمع مراكز الادماج الملاسين وسكرة وفوشانة وتونس، جمع المشروع منذ اكتوبر 2012 ثمانين طفل وطفلة من كل الاحياء الشعبية للتعبير عن واقعهم فنيا، فكتبوا النص واختاروا الموسيقى وفضاء مسار اطّر هذه الاحلام والافكار لتخرج في عمل متكامل، الاطفال المشاركين في العمل نقلوا واقعهم، عبروا عن تونس كما عايشوها في عشرية جدّ صعبة، نقدوا خطر الارهاب والادمانن نقدوا الخوف وسوء المنظومة التربوية، نقدوا منظومة الاسرة المتهلهلة، قدموا الكثير من النقد في مشاهد مسرحية.
«شانطي2» تجربة اخرى تؤكد ضرورة انفتاح الفن على الفئات المهمشة، طريقة اخرى لمحاربة المركزية المقيتة ونداء متكرر لمزيد توفير فضاءات ثقافية تنتفتح على اطفال الاحياء الشعبية والجهات الداخلية لتعليمهم ثقافة المواطنة واستقطابهم الى الحياة بدل دفعهم للعنف والادمان والارهاب، مشروع ثقافي انساني ينتصر للحق في الثقافة وينتصر للمواثيق الدولية في حماية الطفل وحقوقه، شانطي2فكرة قبل ان تكون عمل مسرحي، فكرة لارادة الحياة وزراعة الاحلام التي يؤمن بها مسار.
«شانطي2عاود ادهن» في قاعة الريو: أطفال تونس يكتبون أحلامهم وأوجاعهم على الركح
- بقلم مفيدة خليل
- 12:28 29/03/2022
- 593 عدد المشاهدات
احتفلت تونس يوم الاحد 27مارس باليوم العالمي للمسرح بعروض مسرحية وفرجوية وتكريمات لممثلين قدموا الكثير للمسرح