للفرجة وهو من تنظيم مركز الفنون الركحية والدرامية بتطاوين بالشراكة مع دار المركب الثقافي والمكتبة الجهوية وداري الثقافة الصمار والبير الأحمر ودعم من المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية تطاوين ووزارة الشؤون الثقافية.
المهرجان دفاع حقيقي عن لامركزية الثقافة ومحاولة لترسيخ تلوينات الحياة والإبداع ومحاربة كل أشكال التصحر الثقافي والتجهيل الإبداعي الذي تعاني منه الدواخل التونسية، المهرجان فعل لممارسة الفن والحياة ينتصر فقط للإنسان.
الدفاع عن الثقافة في الجهات فعل نضالي
«ندافع عن لامركزية الفعل الثقافي، مدينتنا وأهلنا هنا يحتاجون الثقافة والفنون لغياب المرافق الثقافية، ليس من السهل انجاز فعل مسرحي مختلف في مكان تعوّد جمهوره على مادة ثقافية واحدة هي الفلكلور، العمل هنا يشبه النضال ونحن نناضل إيمانا بحق أبناء تطاوين في الثقافة في المسرح وكل التلوينات الإبداعية التي تنتصر للإنسان» بهذه الكلمات يعبر علي اليحياوي عن أهمية مهرجان «أيام المسرح بتطاوين» في دورته الثانية.
التظاهرة الوليدة أنجزت دورتها الأولى في العام 2020 آنذاك «افتكوا العروض المسرحية» لجهة تطاوين وقام المهرجان فقط على ست عروض مسرحية مدعومة، لكن في الدورة الثانية بدأت براعم المهرجان الوليد تتفتح تدريجيا وانفتح المهرجان على تلوينات ثقافية أخرى وفضاءات متعددة.
من 6 عروض الى 25 عرضا، ومن المسرح فقط إلى عروض السيرك «سيرك باباروني» والمسرح والعروض الراقصة «قافلة الرقص، وبونداج، ورسالة الى الله» ومسرح الشارع «قافلة تسير» والسينما «على خطاوي الحرف» والعروض الموسيقية، انفتح المهرجان على خمس فضاءات هي المكتبة الجهوية والمركب الثقافي ودار الثقافة البير الأحمر والصمار والمركب الشبابي وسوق الصناعات التقليدية، انفتاح على المحيط الهدف منه ايصال الفعل المسرحي الى اكثر عدد من المتفرجين واكتساب جمهور لتظاهرة تبحث عن تموقعها في المشهد المسرحي التونسي.
«ايام المسرح بتطاوين» فعل مسرحي نضالي، فالجهة عموما تتوجه اغلب تظاهراتها الى الفلكلور وعروض «المحفل» و»الفروسية» والتظاهرة المسرحية الابرز هي «مهرجان عمر خلفت» ليكون ايام المسرح بتطاوين بمثابة اللبنة التي تعزز قيم الفرجة وتدافع عن المسرح الجاد وتوفر مادة مسرحية تشبع الروح وتدفع العقل الى طرح السؤال وتشركه في الدفاع عن القيم الانسانية.
تعد التظاهرة الوليدة فعل نضالي اولا لحداثة مركز الفنون الركحية والدرامية بتطاوين فهو لم يتجاوز الثلاثة اعوام، وثانيا لغياب دعم مالي موجّه للتظاهرة فالمهرجان ينجز من ميزانية المركز التي بلغت 90الف دينار وتتوزع على الانتاج والتظاهرات والتكوين وتوفير الوسائل التقنية لانجاز العروض المسرحية» فبالعودة إلى تاريخ الإحداث افتتح مركز تطاوين بمكتب من بناية المركب الثقافي بتطاوين ووحدة ضوئية يتيمة، وأنجز أيضا من قيمة الجوائز التي سبق وان تحصلت عليها مسرحية «سوق سوداء» الإنتاج الأول للمركز وبعض الشراكات مع مراكز الفنون الركحية وعروض من إدارة المسرح، ليكون انجاز تظاهرة بتلك الضخامة وذاك الانفتاح على الفضاءات المختلفة فعل حقيقي للحياة خلفه جنود يؤمنون ان المسرح كما الوطن يدافع عنه بكل السبل.
انجاز تظاهرة مسرحية ضخمة هو بمثابة الحفر في حجارة «الجهل» وبناء لملكة العقل والسؤال، انجاز فعل مسرحي حقيقي هو ترسيخ لثقافة الفرجة وقبول الاخر وليس من السهل بناء «متفرج» في قاعات المسرح فالموسيقى التي يحدثها ضجيج الكراسي وقت العرض، واصوات الهمسات والضحك و»القلوب» والمناوشات داخل القاعة تزعج المتفرج لكنّ بتكرار العروض وتكرار ملاحظة «المسرح لا يقبل الفوضى» التي يسوقها علي اليحياوي قبل كل عرض ربّما سيكون المتفرج في الدورات القادمة اقل شغبا واكثر انتباه للعرض.
انفتاح على الفضاء الخارجي لترسيخ ثقافة الفرجة
انفتح المهرجان على أكثر من فضاء، قدمت أجمل العروض الجديدة للأطفال في دار الثقافة الصمار «افان» والبير الأحمر «راعي الصحراء»، عروض تميزت بجودتها، كذلك توجهوا الى المكتبة الجهوية لتقديم الندوة الفكرية وفي إطار التعريف بالمخزون التراثي والحضاري للجهة قدم المهرجان الفرصة لاكتشاف القرية البربرية الجبلية «شنني» تلك الماسة الشامخة أعالي الجبال تخبر زوار المكان بعراقتها وخصوصية من سكنوها، كما قدمت سهرة «المرحول» وهي السهرة التراثية التقليدية التي تقدم الموسيقى التقليدية مع أشهر فناني الجهة والمدافعين عن خصوصيتها «محمد الغمد» فالمسرح يتماهى مع كل الفنون، والمسرح يتراشح مع كل التلوينات الابداعية ولم يكتفي المهرجان بفكرة «المسرح الكلاسيكي».
واكتسح المسرح الفضاءات الخارجية في مجتمع لازال يتسم بالمحافظة، في «سوق الصناعات التقليدية» قدم عرضي «قافلة تسير» وعرض راقص لنسرين الشعبوني، عرضين كانا بمثابة الصدمة المسرحية للحضور (بمفهوميها الايجابي والسلبي)، اولا لأصحاب المحلات «اول مرة يقدموا عرض في السوق» كما عبر احد الحرفيين، وثانيا للمارة ممن نسوا طريق تلك السوق لوقت طويل.
العروض المسرحية ككل عروض الشارع تسمع العبارات المحفزة والرافضة حسب ثقافة الفرد المتفرج ومدى قبوله للآخر والاختلاف، انفتاح المهرجان وذهابه بالعروض إلى السوق كان بمثابة المغامرة الجريئة فيكفي أن تتوقف لدقائق قليلة وتقرئ التعاليق المكتوبة على العرض الراقص لتجد كمية العنف الموجهة ضدّ الفنانة الراقصة ووصفها بكل النعوت المتعلقة بفعل «الفسق والفجور» و»المطر ما صبتش خاطر يشطحوا» و»نحتاج التنمية لا الرقص» فقط لانها ترقص في القاعة، تعاليق «فايسبوكية» مزعجة وتنمّر افتراضي من الجنسين وجّه الى الراقصين يؤكد ان الخروج للشارع مغامرة حتى وان لازال الطريق طويلا والمسار مرهقا أمام الحالمين في تطاوين والراغبين في تغيير العقلية الفرجوية وترسيخ ثقافة قبول الآخر والإقبال على الفنون دون أحكام اخلاقوية ودينية.
مركز دون فضاء الى متى؟
كأغلب مراكز الفنون الركحية والدرامية الجديدة لازال مركز تطاوين دون مقرّ يحتويه، لازال المركز الوليد يتخذ مكتب صغير في بناية المركب الثقافي بالجهة ويقدم عروضه داخل قاعة العروض، لازال المركز يبحث عن فضاء خاص به وبانتاجاته وورشاته ولازالت «عركة دار الشعب» قائمة، فمركز الفنون الركحية منذ افتتاحه طالب ان تكون دار الشعب (التي توجد وسط المدينة ومغلقة منذ الثورة ) فضاء ثقافيا، قدمت الكثير من المطالب الى وزراء الثقافة لكن بلدية تطاوين مالكة العقار لازالت تصمّ الاذان عن مطالب مثقفي ومسرحيي الجهة، ودار الشعب ليست الفضاء الوحيد الذي ترضاه الدولة ان يبقى «خربة» متروكة وترفض افتتاحه ليكون مسرحا او فضاء ثقافي في كامل الجمهورية.