اينما وجد وذلك بعرض كوميدي مضحك يطرح الكثير من الاسئلة في الوقت ذاته عنوانه «قافلة تسير» اخراج الكيلاني زقروبة وانتاج مركز الفنون الركحية والدرامية مدنين تحت ادارة جمال شندول.
«قافلة تسير» عرض مسرحي بتقنيات كوميديا دي لارتي، قدم ضمن فعاليات اليوم الثالث لايام المسرح بتطاوين في سوق الصناعات التقليدية والمسرحية وهو من تمثيل نادية تليش وعمار التليلي ومبروك المحضاوي وكيلاني زقروبة ولسعد جحيدر ومروان الشاوش ومسعود الرحال وسينوغرافيا وديكور للحبيب الغرابي.
مسرحية تشرّح المجتمع التونسي وتنتصر لهواجس الشباب
«قافلة تسير» هو عنوان العرض المسرحي، مسرحية تكتسح الشارع وتذهب إلى الجمهور، من المعنى اللغوي للكلمة اخذ العرض الكثير من معانيه، قافلة تسير مصطلح يطلق على القوافل قديما في ترحالها من مكان إلى اخر، وفي كل مكان مخصص للراحة يجتمع أصحاب القافلة بتجار ذاك المكان ويشترون بضاعتهم ويبيعونهم مما يحملون ويسمعون حكاياتهم وقصصهم المختلفة وهكذا نقلت الأغاني والقصص الشعبية، كذلك عرض قافلة تسير كلما حلّت المجموعة بمدينة الا واخذوا من حكاياتها واعادوا تطويعها تماشيا مع الموضوع الذي يطرحونه في عرضهم المسرحي.
بالاضافة الى القوافل اخذت المجموعة من «هودج العروس» مسارا مسرحيا، فالهودج كلما تقدم بالعروس كثر المتفرجين والسائرين معه كذلك عرض مسرح الشارع كلما ارتفع صوت الموسيقى وتحرك الممثلين اقبل الناس للفرجة والسؤال «اش ثمة؟».
«قافلة تسير» عرض مسرحي يندرج ضمن الكوميديا دي لارتي بشخصيات تونسية وأحداث في عمق الهواجس المجتمعية التونسية، ينقد العلاقات المجتمعية الزائفة ويطرح موضوع «الزواج» وصعوباته في لعصر الحالي، ابطاله كثر يكتبون مشاكل التونسيين ويقدمونها بطريقة كوميدية تجعل المتفرج يمعن في الضحك لكن في الوقت ذاته تسكنه بالاسئلة وتبعث فيه الحيرة.
في سوق الصناعات التقليدية كان العرض، دكاكين الحرفيين تزينت بأجمل المنتوجات المصنوعة يدويا من الجلد إلى النسيج إلى النقش على الخشب إلى توظيف الرمال لصناعة تحف تشكيلية مميزة، وسط السوق المربع الشكل انطلق العرض الفرجوي وبدأت الجماهير تتوافد تدريجيا لمشاهدة «القلابس» كما وصفها البعض، في العرض تتداخل المواضيع المطروحة على رصيف النقد لكن أساس الانطلاق واحد، ثنائي عاشق يريدان الزواج (الفيتوري) «ارلوكان» و (قمر)»ارلوكينا» لتنطلق مغامرة البحث عن سبل لإتمام هذا الزواج دون كمّ المطبّات الكثيرة التي تعترض الشاب التونسي.
فالزواج تلك المؤسسة الجميلة التي يشترك في تأسيسها ثنائي عاشق في دول أخرى، فقط يتفقان على المبدأ وكيفية الحياة المشتركة، يتحول إلى كابوس يثقل الجيب والفكر وينهك الروح في تونس، فالمقبل على الزواج عليه أولا التوجه إلى سوق الصاغة لاقتناء الذهب «الذهب العربي فقط 25مليون» كما يقول شلومو بائع الذهب، ثم عليه إيجاد بيت «الكراء هو الحل، لكن الاسوام مرتفعة ومخيفة» ثم «الفرقة» و»البلدية» و»العشاء» والكثير من الطلبات التي تدفع الرجل والمرأة إلى كره مؤسسة الزواج بسبب الديون الكثيرة كما يطرحون في قافلة تسير.
«قافلة تسير» عمل من وحي الواقع، يطرحون مواضيع يعيشها التونسي ويعايشها يوميا، من الفردي الى الجماعي تكون الرحلة النقدية، الانطلاق من الشخص الى المجموعة لتسليط الضوء على الهنات اللانسانية وانتهازية الكثيرين المستفيدين من مؤسسة الزواج، من بائع الذهب الى سمسار العقارات، الى موظف البنك، كل يريد هامش من الربح على حساب الثنائي المقبل على الزواج، في المسرحية ينقلون الكثير من الوجع ويقدمونه في شكل نكت وتناول كوميدي مضحك، إضحاك مبطن بالنقد وهو مطية الكيلاني زقروبة في اغلب أعماله.
«قافلة تسير» عرض مسرحي، يقدم بتقنيات وشخصيات كوميديا دي لارتي التي يتبعها زقروبة، خلف القناع للشخصية كل الحق في النقد والجراة دون خوف من الاخر المتفرج، عمل مسرحي يفكك القيم المجتمعية، يضعها على طاولة التشريح ويبدأ من قصص الحب الى الزواج فالعلاقات داخل المجموعة الجغرافية الواحدة، مسرحية كتب نصها باتقان، اخذوا الكثير من النكت الموجودة في الموروث الشعبي للجهة، يعرفون بالمناطق الجميلة وسط النص «نهزك تحوس في قصر اولاد دباب» ويقدمون جزئيات من معاناة الشاب المقبل على الزواج، المسرحية مرآة للواقع وفي ساعة من الزمن تختزل الكثير من مشاكل الشباب «والله حق، عندي سنين نلم في حق العرس» كما يعلق احد الحضور، فالمسرحية مبنية على التفاعل بين الممثلين والجمهور هي جسر للتواصل والتعبير وطريقة اخرى لاستقطاب الجمهور للمسرح.
المسرح دفاع عن الذاكرة والموروث الشعبي
المسرح فعل انساني ونقدي، من المسرح يدافع كيلاني زقروبة مخرج قافلة تسير وكامل المجموعة عن التراث اللامادي لجهة الجنوب الشرقي خاصة مدنين وتطاوين، في المسرحية تكون الموسيقى هي الفاصل بين المشاهد، لكل مشهد موسيقاه الحية اذ ترافق المجموعة المسرحية مجموعة أخرى موسيقية عبارة عن عازفي إيقاع وعازف زكرة ومغنّ أربعتهم جزء من العملية الإبداعية المسرحية وفي الوقت ذاته يمثلون الموسيقى الشعبية بالجهة.
الطبل سيد الإيقاع، في اغلب الأعراس يتوسط الحفل (فكرة العمل اقتبست من الهودج)، في المسرحية إيقاعات الطبل تكون كما صوت الستارة داخل القاعة يعلن عن بداية العرض ويقسم المشاهد، أجواء المسرحية أجواء عرس وفرح لذلك اغلب الأغاني المقدمة تغنى في الأعراس، أغان تدفع الجمهور لمشاركة الممثلين الرقص، ممثلون يقدمون بدورهم لوحات راقصة منبثقة من الخطوة التقليدية، فالمسرح هنا يحرس الموسيقى والرقص ويدمجهما زقروبة في المسرحية التي تتماهى داخلها اغلب الفنون.
«قافلة تسير» إنتاج مركز الفنون الركحية والدرامية مدنين، ومن يقول مدنين حتما تحضر اليه صورة أشهر الفرق الموسيقية «غبنتن» تلك المجموعات التي كانت تمثل «البريد» فهي من ينقل الرسائل إلى الناس عبر الاغاني، في المسرحية تكرم المجموعة «غبنتن» من خلال رقصتها واغانيها وتطويع بعض الألحان لخدمة السيرورة الدرامية للمسرحية، غبنتن بأعلامهم الحمراء وحركاتهم الدائرية المميزة وأغانيهم المختلفة يكرمونهم في «قافلة تسير» في إطار حراسة الهوية والدفاع عن الموروث الشعبي للجهة والتعريف به، فمن خلال المسرحية يعرّفون بغبنتن في كامل ربوع الوطن ولا تقتصر معرفة هذه الفرقة الضاربة في التاريخ على مناطق الجنوب فقط.
«قافلة تسير» عمل مسرحي يوظف تقنيات الكوميدي دي لارتي لنقد العديد من السلوكيات في المجتمع التونسي، عملية ابداعية جديدة تضاف لرصيد كيلاني زقروبة ومركز الفنون الركحية مدنين، تجربة اخرى تقرّب المسرح للمواطن.
عرض «قافلة تسير» لكيلاني زقروبة ضمن أيام المسرح بتطاوين: المسرح نقد وفرجة وتجسيد لقيمة السؤال ؟
- بقلم مفيدة خليل
- 10:47 25/02/2022
- 729 عدد المشاهدات
من الفضاء العام ولد المسرح واليه يعود، إلى الشارع يخرج مركز الفنون الركحية والدرامية مدنين لإيصال قافلة الفن والنقد الى الجمهور