نص ومبدع ومخرج يؤمن بقيمة المسرح وممثلون صادقون حد التماهي مع العرض هكذا يمكن توصيف مسرحية «18 أكتوبر» اخراج عبد الواحد مبروك التي عرضت مساء الأربعاء 13فيفري ضمن فعاليات الدورة الثانية لايام المسرح بتطاوين:
بعد العرض التقت «المغرب» مع مخرج العمل ومدير مركز الفنون الركحية بتوزر وكان الحوار التالي:
• «18 أكتوبر» مسرحية تنقد الواقع وتعيد تشكيله؟ كيف كان هذا الاختيار الفني؟
مسرحية 18اكتوبر هي في الأساس رغبة مني ومن بوكثير دومة كاتب النص، هي محاولة لقراءة عشرة أعوام مرت بتاريخ تونس من 2011 إلى 2021، هي قراءة مسرحية للمرحلة، هي طرح لسؤال: كيف يمكن أن نقدم هذا العمل في علاقة مع خصوصية المنطقة، لا تكفي اللهجة، عملنا على نوع من العلاقة بين المعطيات الطبيعية الموجودة في توزر والجريد ومن خلالها تقديم القراءة المسرحية؟ .
توزر بلاد نجيب الشابي منور صمادح والكثير من المعارضين لنظام بورقيبة وبن علي والأنظمة الجديدة،فالجريد ارض بها مدّ يساري كبير، بالإضافة إلى المد اليميني الراسخ باعتبار علاقة الجريدي بالدين، بالقرىن بالسنة، هي مدينة الخضر والحسين كذلك، هذه الثنائية من خلالها انطلقنا في قراءة الموجود وأصبحت بمثابة المرآة والكوميديا السوداء انطلقنا منها مع الإصرار على التلميح لا التصريح.
المسرحية تراجيدية مأساوية بالأساس، في النهاية المسرحية هي تونس، هي الوضعية السيئة التي وصلنا إليها بعد عشرة أعوام ونحمل كل التعبات لمن حكموا تونس طيلة العشرة أعوام، من توافق مغشوش.
• كيف كان اختيار موضوع المثلية السياسية؟
إيجاد فكرة المثلية السياسية أضاف الصبغة السردوية للعمل، المثلية السياسية هي مثلية عقيمة لا تنجب شيئا، لذلك كانت القراءة من هذه المنطلقات، هناك الكثير من الإخفاقات يجدها المتفرج في المسرحية، المنطلق كان أن تونس تعيش أزمة، منطلقات الشخصيات وطرحها كان من الأزمة، الشخصيات ليست موجودة في فضاء درامي مريح، علاقتنا بالواقع وقراءتها، ننطلق من الواقع ونسايره.
الواقع أليم، الم وظفناه فنيا في كل ما هو جماليات، اردنا ان يكون هناك صدق في الطرح الجمالي، ننجز مسرحية تشبه لنا لا تشبهلاحد آخر، في استعمال الألوان اللون «الماجنتا» لون ساخن جدا لان الشخصيات تعيش ازمة، الفضاء بمكوناته اللونية ينطلق من أزمة معينة، يضع المتفرج في قراءة نفسانية في الازمة، كاننا نجبره فنيا ان يتبنى معنا الازمة.
• متابع المسرحية يسكنه القلق؟ هل عملتم على تشريك المتلقي في العمل؟
الشعور بالقلق موظف، هي الكتابة الركحية في النهاية، تولّد هذا في علاقة بالنص الختامي للعرض، نص العرض اي كل ما هو متمّمات ركحية وفضاء دال على المكان والزمان ونفسية الشخصيات ورطناه معنا في هذا الفضاء، هذا التوريط انجز في اطار تداعيات لذلك الشخصيات تتعرّى تدريجيا تدريجيا من اول العمل الى آخره، لان الشخصيات كاذبة في الأساس، ليست صادقة مع تونس، لكل شخصية أحكامها ومنطلقاتها الذاتية الخاصة وليست منطلقات جماعية، ما تفرزه حليمة كشخصية ثالثة هو النظرة التفائلية المستقبلية للأشياء وهو ما نطمح للوصول اليه هو الحل للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية.
• الطرح ذو خصوصية جريئة ومغلف بالمغامرة في نفس الوقت؟
العمل مسرحي جرأة، الأعمال المهمة في تاريخ المسرح العالمي والتونسي هي الأعمال الجريئة، الأعمال التي تجرأت على السائد وعرّته، نحن ننجز المسرح، لسنا مسؤولين على تربية الجمهور نحن نقدم طرح فني جمالي في اطار احترام الجمهور، حين يشعر المتفرج بصدقك وصدق الممثلين لإيصال الفكرة بجمالية معينة على غرار جمالية النص وتشكيل الألوان والصورة والأداء حينها يستمتع المتلقي ويقبل العرض.
• بين رجلين امرأة واحدة هي «حليمة» التي تنهض من رمادها؟ هل هي تجسيد لتونس؟
حليمة هي تونس، تونس التي تنهض من رمادها كلما سقطت، حليمة تونس التي مر عليها الكثير وظلت قوية» يلزم تقعد قوية» نؤمن أن تونس قوية، نحن أبنائها ونحلم ويجب أن نكون متفائلين، تونس الأجمل ممكن تونس الأحسن ممكنة، تونس الصامدة ممكن لكن بأولادها ومحبيها والصادقين فيها.
• العلاقة بين السلطة والمسرح؟
«سنبن نبربش» في هذا المعطى،بالنسبة لي من أهم الجدليات هي السياسة والمسرح، الكثير من الكتاب حاولوا النبش في هذه الجوانب الجدلية، بين المسرح والسياسة فهما متلازمان مثل «الوجه» و»القفا» لان الأعمال المسرحية تستقرئ وتستبطن السياسة، ليس سهلا من خلال القراءة السياسية توجيه العمل الى المسرح، الى استنتاجات ووضعيات ممكنة واسوق مثال مسرحية خمسون هي قراءة لخمسين عام من الاستقلال، لكن ما كان في «خمسون» ووصولا الى «يحى يعيش» كان تقريبا قراءة لتونس ما بعد الثورة، المسالة ليست وحي بل استبطان وتراكم لأحداث سياسية معينة تؤدي بالضرورة الى قراءة معينة.
الجانب السياسي مهم في القراءة مهم في انتاج الفكرة، لا تستطيع انجاز المسرح دون الوعي بالمحيط والسياسي، فـ»بريشت» سياسي بامتياز قدم فعل سياسي وخلق قطيعة سياسية مع المسرح الارسطي، هنا مدى استبطان بريشت للواقع السياسي جعله يتميز في تلك المرحلة ويظل اسمه ومسرحه قبلة الى اليوم.
• هل هناك امتداد للمركز الفنون الركحية مع تجربة الجريد المسرحية؟
اتذكر اول عمل شاركت فيه في جمعية الجريد للمسرح عام 1983 التي أصبحت رئيسها، واكبت التجربة منذ البدايات، تجربة اصفها «مسرح تقليدي» ، قريب لتقليد مسرح الجنوب في قفصة، لكن له ايجابياته هي الروح الجريدية، المتميزة بالتكثيف والاختزال وهذا روح المسرح، لكن في التجربة الجديدة نعتمد على مدارس مسرحية أخرى، نعمل اكثر على التلميح لا التصريح، هذا المنحى نستمد منه علاقتنا مع «الإرث» لكن لا بد من قطيعة في مراحل محددة .
• في «18 أكتوبر» هناك حضور بارز للخصوصيات المحلية؟ هل هي مسار للعمل؟
لا يمكن للمسرحي النجاح دون فهم محيطه، من «الغباء» ألا يعمل مركز فنون ركحية على الجهة والخصوصية، واستنطاق الإرث الثقافي، في هذا الموزاييك سيكون ثراء لتونس والمشهد المسرحي، المفردات والألوان والمشاهد ستختلف من جهة إلى أخرى،مثلا لا يمكنني الاستغناء عن المدونة الشعرية في الفصحى الموجودة في الجريد لكن في العامية أتوجه نحو قبلي ودوز تطاوين، لان التجربة متراكمة، بينما العمودي والفصيح تكتسبه الجريد، لا يمكنني إغماض العين على الارث الصوفي الموجود في ارض الجريد، المعطيات متوفرة فقط طريقة استنطاقها هي المختلفة.
عموما الثراء يأتي من خلال التنوع والعمل على الخصوصية ضروري لصناعة الاختلاف، في «18اكتوبر» استنطاق المعطى الديني من «الملحفة الجريدية» ذات البعد الاباضي والشيعي، مشهد وضوء العروسي بالرمال لان في غياب الماء يصبح الرمل طهورا وهو موجودة في الصحراء، لابد من استنطاق هذا المحيط في بحث انطروبولوجي وحفر فيه وتقديمه ليكون العمل متكاملا، أسوق مثال من أجمل المسرحيات «كعب الغزال» لعلي اليحياوي، بحث في الصحراء ورجوع إليها بفكر إبراهيم الكوني أبدع اليحياوي في استنطاق الفضاء الصحراوي على الركح في قفصة الأعمال التي تحدثت عن المناجم والنقابات هي ارتداد وامتداد للمجتمع ويقبل عليها المتفرج، فالبحث في المحيط ضروري جدا في الفعل المسرحي.
تفردنا يعطينا نوع من الثراء داخل المجموعة، وتصبح المجموعة هامة من خلال الفرد، من يريد تقديم المشاريع لا بد من تقديم المشروع ينطلق من المنطقة، يحاكيها، مثلا لا يمكنني انجاز «18اكتوبر» بلهجة بوكثير دومة (لهجة بير علي بن خليفة) بل لن تنجح الا باللهجة الجريدية، تجربة الروائيين المهمين والمسرحيين المهمين انطلقت من الخصوصية.
• ماهي مقومات نجاح الفعل المسرحي؟
المسرح التونسي قادر على انجاز الكثير من النجاحات لو توفر: اولا الوقت ثانيا الشخص الكفء وثالثا الصدق ورابعا المادة، فالارادة لانها تصنع المستحيل.
• ما الذي قدمه مركز الفنون الركحية منذ انبعاثه؟
عمر المركز ثلاثة أعوام منها عامان «الكوفيد» في الحقيقة لست راضيا على التجربة الى الآن نطمح إلى الأكثر، نريد ان ننجز الافضل، هناك مشروع متكامل، نبحث لتأسيس تظاهرة في الحجم المشروع الذي نطمح إليه في علاقة بمرتكزات النصوص، بالتكوين، مع البنية الاساسية والتصورات الفكرية من خلال المجلة، وهذا معنى التأسيس، فالتأسيس لا معنى له دون التوثيق والتكوين والسعي لبناء مؤسسة مهيكلة وجميلة.
• هل يقدم المركز الجانب التكويني لابناء الجهة؟
التكوين موجود إلا أنه ينقصنا عنصر الاختلاف بمعنى اختلاف المكونين والمحاور المطروحة، لان الاختلاف يعطي للشباب حصانة وجراة لدخول المغامرة المسرحية.
في إطار التكوين يقدم المركز ثلاث مختبرات: هي مختبر مسرح الاطفال، ومختبر مسرح للشباب والمختبر الأهم موجه لذوي الهمم اتفاقية شراكة مع مركز الإدماج بتوزر ونحن بصدد تحضير برنامج العمل، عملية صعبة تتداخل فيها ثلاث أطراف هي مركز الفنون الركحية والدرامية والشؤون الاجتماعية والأطباء النفسيين المشرفين عليهم، عملية يجب ان تكون مدروسة ويهمنا العمل على العلاج بالفن وليس إنتاج عرض،المهمّ الفرق الذي سيحدث على الشخص من لحظة انطلاق التجربة الى نهايتها واكتمال تلك الحلقة.
• ماذا عن مجلة بصمات مسرحية؟
عبد الواحد مبروك يؤمن بالكتابة وترك الأثر والتوثيق للأعمال والتوثيق هام، أؤمن بالتراكم للأجيال القادمة، المجلة هي مدونة المسرح الجهوي، في العدد الثاني نشاطات كل المراكز موجودة، للأسف هناك فراغ على مستوى المجلات الموجهة للمسرح (مجلتي المعهد العالي للفن المسرحي والمسرح الوطني لم تعودا الى النشر) فقط تجارب فردية،مشكور حمادي الوهايبي مركز القيروان، ومركز مدنين مجلة وريقات ثم المهدية من خلال توثيق الندوة، الجانب الفكري هام ويجب ان يكون متأصل ويضيف للمشروع، بالمجلة ندافع حقا عن لامركزية الثقافة ولامركزية المسرحية الحقيقية، حين تكون مجلة محترمة تصدر 500كلم على العاصمة فهي تفكير ايجابي.
• ماهو مشروع المركز في الفترة القادمة؟
نحن بصدد العمل على مسرحية مدعمة من الصندوق التشجيع الادبي والفني ،مشروع قديم-جديد عمل مسرحي في اطار التصوف الشعبي، فيه جانب من التكوين 15شاب سيكوّنون على كل مراحل العمل « ماستر كلاس» لكن في اطار شخصيات العمل، لا يمكن التغاضي عن البعد الصوفي الموجود في الجريد، هو من مميزات المنطقة ونعمل عليه وسيكون الممثل البحري الرحالي احد اعمدة المسرحية.
هناك عمل للاطفال سينجز في علاقة مع جمعية ايطالية تنشط في توزر وتقوم بانشطة تنموية وتربية الاسماك بالمياه العذبة في الصحراء ومن مراحل المشروع انجاز عمل مسرحي فالمسرح ايضا تنمية.
ضمن أيام المسرح بتطاوين.. عبد الواحد مبروك مخرج مسرحية «18أكتوبر» لـ «المغرب»: المثلية السياسية مثلية عقيمة وتونس ستنهض من أزمتها
- بقلم مفيدة خليل
- 10:44 25/02/2022
- 840 عدد المشاهدات
المسرح فعل للمشاكسة وتعرية للواقع الاجتماعي والسياسي، المسرح لعبة انسانية وفنية جريئة يقود سفينتها كاتب