روبورتاج: بيت الشعر التونسي: في قلب المدينة النابض بالحياة بيت ينبض شعرا واحلاما اكبر

تغريك بالزيارة، لعمارتها، سحر يجلب اليها المارة، الوان الابواب المميزة وتلك الزينة البسيطة تصنع سيمفونية للخلود،

البلاط المختلف عن بقية الشوارع، البنايات بالأوان المائلة الى البني، اصوات حرفيّي النحاس وهم يكتبون نوتاتهم الموسيقية النابضة بالحياة، الوان المنسوجات التقليدية طيلة الشارع تسكنك بطاقة مختلفة، من باب البحر، الى ساحة جامع الزيتونة، فسوق الشواشين اين تباع السعادة علنا في شكل طرابيش حمراء وأخرى تواكب العصر فنهج سيدي بن عروس ثم «تربة الباي» لكل تسمية دلالتها التاريخية، ثم نهج «التريبونال» يواجهك قصر خير الدين شامخا شموخ صاحبه، ثم دار الاصرم فدار الجزيري وجهتنا لاعادة اكتشاف معلم ثقافي تاريخي هو «بيت الشعر التونسي».
البيت الذي كان احد معاقل الحركة الوطنية التونسية وانعقد فيه المؤتمر الثاني للحزب الدستوري التونسي عام 1937، في هذا البيت سالت دماء الوطنيين المدافعين عن الحرية واليوم يسيل حبر الحالمين والمداففعين عن تونس، في هذا البيت رسم الصغير اولاد احمد الكثير من الاحلام والامال، واليوم للبيت صداه في المشهد الثقافي فهو قبلة محبي الشعر والمدافعين عن تنوع الساحة الابداعية.
حاضر البيت: احلام كبرى تشحذ عزيمة ساكنيه
هدوء المدينة يساعد على التأمل في جمالية المكان، الابواب تخفي خلفها الكثير من القصص والحكايات، فهذه المنازل ذاكرة الوطن فاغلبها كانت للمقربين من الباي وحاشيته وهنا كتب جزء من تاريخ هذا الوطن، باب اخضر كبير. الباب مغلق فقط «الخوخة» مفتوحة، فلندخل لنكتشف المكان الذي كتب خارجه بلغات متخلفة ««دار الجزيري» شيد في القرن الثامن عشر، معلم تاريخي مسجل منذ 1992» فلنكتشف تمازج التاريخ والثقافة وانصهار الكلمة مع جمالية المكان.
بضع درجات، الى يسارك باب زين بالأزرق والأخضر مع تفاصيل صفراء مذهلة، في البيت إدارة شابة وفريق متجانس يشرف على بيت الشعر التونسي، مديره شاعر ومشاكس عرفته ساحات النضال ضد السلطة القمعية، ورومنسي يكتب للحب وبالحبّ، احمد شاكر بن ضية «خلية نمل لا تهدأ»، تولى ادارة البيت منذ العام 2017، حالم وليست لأحلامه حدود إلا المشاكل القانونية والمالية للبيت «منذ بداياتي كلما اردت البناء إلا وبحثت عن تشخيص للمشاكل، حينها يمكن البناء كذا الامر في ادارة بيت الشعر، اعرف هذا البيت جيّدا، فانا اعمل هنا منذ 2011 واعرف ان هذا المكان يستحق ان يكون حاضنة حقيقية للشعراء ومؤسسة وطنية تعنى بالشعر» كما يقول بن ضية.
هنا في احدى غرف بيت الجزيري وضعت مكاتب العاملين بالبيت، ثلاثة مكاتب تجمعهم جميعا، الزينة الفوقية المذهلة بدأت تتأكل، ملامح الالوان اصبحت داكنة، قد تكون ساكنة هذه الغرفة في السابق فتاة، فجمالية الالوان وتناسقها تشيران الى ذوق انثى عاشقة رغم تفسّخ بعض الرموز والألوان ولازالت الزينة تغري برفع الراس الى الاعلى وتأملها «مذهلة كل تلك التفاصيل، منذ دخلت الى هذا الفضاء احلم ان يكون الافضل ويتمّ ترميمه» كما يعلق بن ضيّة.
تسلمت ادارة البيت وأنا اعرف ان هناك خللا اتصاليا داخليا وخارجيا وهو اوّل هدف عملت عليه، داخليا الكثير من الزملاء في وزارة الثقافة لا يعرفون مؤسسة «بيت الشعر»، مؤسسة ضبابية غير معلومة بالنسبة اليهم، لذلك حاولت تكثيف التواصل مع الادارات المعنية بالبيت مثل ادارة البناءات ومعهد التراث والشؤون القانونية ووكالة احياء التراث، وحقوق المؤلف، حاولت الدفاع عن البيت والتعريف به لكل المديرين العامين والمسؤولين ليصل اشعاعه الى الكل وهو الذي بلغ من العمر التاسعة والعشرين ونحضر للاحتفال بثلاثنيته، اما خارج الوزارة فاتصلنا بالصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الاعلامية المعنية بالثقافة والشعر لنفك العزلة عن البيت لإيماننا ان الوجود شرط الجدل والجدل شرط التطوّر ويمكن الجزم أننا جنينا ثمار ذاك الجهد.
«بيت الشعر» فضاء للشعراء، حلم اسسه المتمرد الصغير اولاد احمد وها نحن اليوم نكمل المشوار، لنا احلامنا الكبرى ومشاريعنا، نجحنا في بعضها اذ تضاعفت ميزانية البيت «11مرة» تسلمته بميزانية 10الاف دينار ثم في 2019 تضاعفت الى 50الف دينار والآن هي 110الاف دينار وارى ان الميزانية محترمة بعد مجهودات اهل البيت، والمؤسسة اليوم تنتصب صلب مركز الفنون والاداب «القصر السعيد» وأصبح هناك اطار قانوني ننشط ضمنه بعد ان كانت مؤسسة لا وجود قانوني لها.
نستعد لجني ثمار الصبر، سيكون العام الحالي عاما تحضيريا للاحتفال بثلاثينية بيت الشعر في العام 2023وسيكون الإعلان عن الانجازات التي عملنا عليها وستعود المجلة للصدور وتعود اصدارات وسيعود ملتقى بيت الشعر للحياة بعد ان قبرت لأسباب مالية.
يواصل بن ضية فتح الادراج المغلقة ليتحدث عن المشاريع التي سينجزها البيت مستعملا في خطابه ضمير «النحن» فالبيت «يعنيني قبل وأثناء وبعد ادارته لأنني شاعر، ويحزّ في نفسي ان لا تكون المؤسسة في مستوى تطلعات والتجارب الشعرية التونسية، ما هكذا يعامل الشعراء، خاصة والتجربة الشعرية التونسية ناضجة ومتطورة على المستوى العربي ومن المفروض وجود مؤسسة تدعم هذه الشعر».
نحو تجاوز العوائق القانونية والتحليق في رحاب الابداع الفعلي
تصنع الرياح في يوم شتوي سيمفونية جد مميزة، برودة شديدة داخل المكتب غير المكيف وحده الحديث عن الاحلام الكبرى والإيمان بالمشروع ينشر القليل من الدفء في المكان، لا يمكن البناء قبل الإصلاح كما يقول بن ضيّة وهذا البيت الذ ييمارس نشاطه منذ ثلاثين عاما لازالت مؤسسة غير قانونية لذلك هم يشتغلون منذ بداية إدارته للبيت على التأسيس «نريد ان نؤسس لمؤسسة لم تؤسس بعد منذ الاعلان عن نية تأسيسها سنة 1992 وافتتاح مقرها 1993، قانونيا في مقر مستقل وخاص ومحترم يا حبذا يظل البيت في دار الجزيري بعد ترميمها بما يليق بالحدث بيت الشعر التونسي».
فليس للبيت تسلسل اداري قبل 2019، البيت كان على ملك للتجمع الدستوري الديمقراطي، وبعد الثورة صودر ككل املاك الحزب المنحل وعادت ملكية البيت الى وزارة املاك الدولة لكنه يتحصل على دعمه من وزارة الشؤون الثقافية، هنا دار الجزيري «اول بيت للشعر في العالم العربي» اول بيت احتضن إبداعات الشعراء العرب وبعده تأسس بيت الشعر الفلسطيني والأردني والمغربي واليمني والاماراتي ولان تونس دوما رائدة حتى اختاروا بيوت الشعر في مدنهم العتيقة.
«بيت الشعر التونسي» هنا توزع السعادة، هنا يقرئ الشعراء كلماتهم الجميلة ويكتبون احلامهم، في هذا المكان كتب الصغير اولاد احمد مجموعة من الاحلام ورتّبها، هنا صارع الشعراء فكرة النسيان واثبتوا ان على هذه الارض توجد كل تفاصيل الحياة، فلنقاوم ولنتمسك بحقنا جميعا في وطن أجمل هنا بيت مرّ عليه اربع مديرين «وأشيد طيلة السنوات الثلاثين كل مدير يمر على هذا البيت بمن فيهم ساكنه ومديره الاول الصغير اولاد احمد إلاّ ويحلم ببيت ويبذل الطاقة والجهد حسب الظروف السياسية والثقافية، كل مدير انفق من الجهد وسنوات العمر الكثير، ادارة بيت الشعر مسؤولية كبرى، وتجربة تتطلب الكثير من الصبر والجهد، ولا ادّعي انني المؤسس فهنا نواصل البناء والمشروع الحقيقي هو تأسيسه القانوني وتحويله الى مؤسسة ريادية ومؤسسة وطنية تعنى بالشعر حقيقة لا مجرد كلمة وسننجز ذلك لأننا نحلم بأعين مفتوحة».
«من لاذاكرة له لا مستقبل له: نعمل على الارشفة»
ترى كم مر على هذا البيت من شاعر، اي ابداعات وكتابات احتواها هذا المكان، كم شاعر قرأ؟ كم شاعر كتب أحلامه الصغرى في قصائد نثرها كالورود امام جمهوره؟ من كان يقرئ مع الصغير أولاد احمد عام 1993حين فتح البيت ابوابه للشعراء؟ من أنصت للمنصف المزغني الذي أثث مكتبة البيت بكتب شعر نادرة؟ من من الشعراء قدم ابداعاته لمحمد الخالدي لنشرها ضمن اصدارات البيت؟ترى هل زال يذكر البيت ساكنيه؟ هل يمكن للحجارة والجدران ان تبوح بقصص كتبت في هذا البيت؟ أين الذاكرة الشعرية التونسية والعربية من هذا البيت؟ هكذا سيخامرك السؤال ايها القارئ لو تأملت قليلا زينة البيت ورحلت قليلا بالة الزمن الى من مروا به شعراء وكتاب وحالمين.
ولان الذاكرة تراث مشترك يعمل البيت على انشاء «بيت الشعر الرقمي» وتجميع كل الارشيف المصور الصوتي والوثائق التي تهم بيت الشعر والشعراء والاشتغال على المادة السمعية البصرية وقاعدة بيانات دقيقة ليبت الشعر التونسي كما نطمح لقناة بيت الشعر تقدم الحوارات التي انجزت مع الشعراء، وفي الايام القليلة القادمة سنطلق الاستمارة للشعراء الراغبين في التسجيل بالتعاون مع المندوبيات والمجتمع المدني لرصد قائمة الشعراء التونسيين حسب تصريح مدير البيت.
من المشاريع المستقبلية القريبة مجلة الكترونية ، وقاعدة بيانات لخارطة نوادي الشعر والمهرجانات المهتمة بالشعر والمقالات الصحفية والاعلامية التي تهتم بالحركة الشعرية في تونس بالاضافة الى «تطبيقة» على الهاتف.
ليس للأحلام حدود ومن يسكن دار الجزيري حتما يستلهم من عظمة المكان افكاره العظيمة، الى جانب حفظ الذاكرة الشعرية وتوثيقها يؤكد احمد شاكر بن ضية انهم يحلمون بإعادة اصدار «مجلة بيت الشعر» وإعادة الحياة لذاك العدد اليتيم الذي اصدره اولاد احمد، والمجلة هي صورة الشعر والشعراء التونسيين في الخارج، كما يعملون على اعادة «اصدارات البيت» ففي العام 2014 اصدروا البيت 6مجاميع شعرية وتوقفت الاصدارات لاسباب قانونية ومالية واحتفال بالثلاثينية 2023 ستعود الاصدارات والمجلة وسيكون للشعراء مساحتهم الكتابية فالانجاز الورقي والمعرفي هو الدعم الحقيقي للشعراء.
انقذوا البيت قبل ان تلتهمه الرطوبة؟
«دار الجزيري» لبنة من مجموعة من البنايات الضاربة في التاريخ، هي جزء من المدينة العتيقة الشاهدة بناياتها على العديد من الحكام والذين مروا بهذا الوطن، بنايات بعضها يعود لأمراء وبايات وأخرى لرجال الدولة، العمارة داخل البيت مميزة، بيت مربع الشكل، باب خارجي اخضر اللون ، فسقيفة صغيرة الحجم ثم ممرّ الى اليمين اين ساحة البيت تتوسطها بئر، يتكون البيت من اربع غرف كبرى وداخل كل غرفة مقصورتين اثنتين، غرف البيت موزعة: «الادارة» و»مكتب المدير» و»مكتبة ابو القسم الشابي» و»المنتدى».
اذا اردت اكتشاف كل الفضاءات فحاول استنشاق كمية كبيرة من الاوكسيجين وتخزينها قبل الدخول فالرطوبة هنا مزعجة جدا، يقابلك غرفة بابها الخارجي جميل، كتب فوقها «مكتب المدير» اثناء الدخول انتبه لكي لا يرميك السقف بحجارته، داخل هذه الغرفة تشاهد اثار الرطوبة، الخشب في «الدكة» العلوية تشقق، زينة الجبس تلك بدأت تتساقط تدريجيا، والرطوبة تركت ملاحها الخضراء على الجدار، هنا «مدير» دون مكتب؟ بسبب الرطوبة؟.
مكتبة ابو القاسم الشابي هي الاخرى اضطروا لإغلاقها؟، قبل اعوام كانت المكتبة تعج بأمهات الكتب والإصدارات وتفتح ابوابها لمحبي الشعر والباحثين لكنهم اليوم «اضطررنا لوضع الكتب في الصناديق الكرتونية لحمايتها من التلف، السقف يقطر ماء والرطوبة ستفسد كل شيء» كما يقول بن ضية، بضع دقائق داخل المكتبة تسكنك بالخوف، الخوف على الكتب والمكان ايعقل ان يترك مكان مسجل ضمن التراث العالمي للاهمال؟ ايعقل ان نترك تاريخنا تسرقه الرطوبة بسبب البيروقراطية وبطئ الاجراءات الإدارية؟.
اما المنتدى فيحاولون اصلاحه وتزيينه ببعض اللوحات لإخفاء اثار الرطوبة القاتلة، فقاعة المنتدى وحدها اليوم صالحة لاحتضان الامسيات واللقاءات، يحاولون الدفاع عما تبقى من جمالية تسارع الرطوبة في اكلها.
هنا بيت الشعر التونسي، دار الجزيري، فضاء للقاء في قلب المدينة النابض بالحياة، هنا بيت تاريخي مسجل ضمن التراث العالمي ينتظر التفاتة السلط المعنية بالترميم، فلو يرمم البيت كما حدث مع «بير الاحجار» لعاد ايقونة حقيقية وبيت الشعر التونسي اول بيت للشعر في الدول العربي يستحق الانقاذ والترميم فانقذوا البيت وانقذوا جزء من التاريخ تحاول الرطوبة التهامه.
برنامج ملتقى العالم في بيت الشعر: الحلم المباح
يقدم بيت الشعر العديد من التظاهرات، ومنها رمضانيات البيت ومارس الشعر (يحتفي بكل الاعياد الوطنية والعالمية طيلة شهر مكارس) لكن للبيت مشروع ضخم يتم التخطيط له بشكل دقيق، المشروع موجود منذ 2018، حسب مدير البيت هو «ملتقى العالم في بيت الشعر» ملتقى يضم كل بيوت الشعر ممثلة في مديرها او من يمثلها مؤتمر لتبادل التجارب ،نريد تجميع اكبر عدد ممكن في تونس ونحاول التأسيس لفكرة «بيت الشعر العالمي» تظاهرة دورية كل عامين في دولة هكذا تتاح الفرصة اكثر للشعراء لاكتشاف التجارب الأخرى اكتشاف التصورات في ادارة بيت الشعر ونافذة للإطلاع على التجارب الاخرى والتعريف بالشعراء التونسيين لمختلف بيوت الشعر في العالم، متأكد ان هذه التجربة ستضيف للشعراء التوانسة، هذا هو الحلم ونحن بصدد العمل عليه، تجمعنا علاقة جيدة مع بيت الشعر المغربي والجزائري ونتواصل مع بيت الشعر الفرنسي والكندي نقرب في وجهات النظر لتنظيم هذه التظاهرة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115