التجربة التشكيلية لوصال بن سليمان: فنانة تنصت إلى صدى روحها وترسم موسيقاها الخاصة

الرسم هو السعادة، الرسم هو الحياة، الرسم هو عملية خلق للجمال من اللاشيء وتحويل البياض الى الوان تذهل المتأمل

ويندهش لها صاحبها هكذا هي عملية التشكيل والتلوين عند وصال بن سليمان، الفنانة العاشقة للألوان والحالمة دوما بواقع افضل للمرأة تنقله من خلال لوحاتها التشكيلية التي تعدّ روحها وميثاقها في الحياة.
لوصال بن سليمان القدرة على تطويع الفرشاة والألوان لتقدم اعمالها التشكيلية المميزة، فنانة متلونة تستطيع اختراق روح الانسان والإنصات لنبض القلب وتحويله الى لوحة تشكيلية موشاة بالأمل والحب.
الألوان: استحضار للذاكرة والوجوه
تتماهى الالوان لتشكّل تحفة تشكيلية مميزة، تركز الفنانة على التفاصيل، ينتشر اللون الوردي في اغلب اللوحات، الوردي لون الزهور والرامز الى المرأة فالفنانة ترسم المرأة كما تراها، وجوه مخفية خلف الكثير من الألوان، وجوه نسائية تحديدا وكأنها انعكاس لصورة وصال بن سليمان على مرآة لوحاتها التشكيلية، فنانة تتقن توزيع الالوان على ذاك البياض الساشع وملئه بوجوه وقصص نسائية، فهي ترسم السعادة والابتسامة، ترسم المرأة والفكرة والثورة، امرأة ترسم بالقلب وتوزع الالوان بشغف طفلة لن تكبر.
هي طفلة تعرف ان اللون حياة، تؤمن ان للفن القدرة على اختراق القلب ومسح كل جراحاته وشفاء الروح من أوجاعها، تعرف انّ اللون حب وجمال وتوزيعه بشغف وحرفية يزيد من بهاء المعنى واكتمال الصورة، امرأة لا تستطيع التخلي عن انوثتها فترسمها، وتحوّل افكارها جميعها الى اشكال تتداخل فيها الاشكال الهندسية و حركات الخطوط المختلفة مع الوجوه النسائية، نسائها احيانا ورود برية جميلة ومرات اخرى نساء مكتملات الوجه والجسد وأحيانا رموز من خلال الزهري والأصفر والبنفسجي الجميل، فاللون عند وصال بن سليمان مقدس تماما كفعل الرسم.
الرسم ذاكرة، اللون ايضا جزء من الذاكرة، متأمل اعمال وصال بن سليمان ستشده طريقة توزيع الألوان، ربّما يستحضر ذكرى محددة وربّما يرحل الى الطفولة ليعانق الوانه المميزة ويعيد نثرها على البياض فاللون ليس مجرد وسيلة لملئ اللوحة او تشكيل عمل تشكيلي بل هو عملية خلق للجمال من العدم، هو اخراج لذاك الطفل المخفي داخلها هي عملية بحث عن «الأنا» تتقنها وصال بن سليمان في لوحاتها القديمة والجديدة.
ترسم وتفتح شبابيك الذاكرة المقفلة، تلاعب ذكرياتها، تخرجها دفعة واحدة على اللوحة البيضاء وتقول «لما كنت طفلة كان الفضاء الرحب مملكتي وكان الليل عرشي و كان الكتاب مسبحتي، وضوء الشمس منظاري و رائحة الاعشاب و الجداول و الطين مجالي،و الوان الزرع و الزهر و كل مخلوق حر او مدجن رفقاء اللهو ومغامرات الفرصة الفريدة، كان الظل مسبحي وكان القيض دهاني والريح مصففي والندى مرطبي والتوت محمر شفاهي، كانت الصدفة لقيتي الاولى وكان التعمُد تجريب ثاني، وكان الالم وافد والمتعة مستقر دائم بوجداني، كان شغلي السؤال والانبهار والتقليد والاختراع والاكتشاف، وكانت مشاغلي بناء شكل وجمع فكرة في ثواني، اليوم على صفحات بيضاء استعيد مشاهدي وشجن ذاكرة تباعدت تباعدت، ولكنها مستقرة بالوجدان، هذه باختصار رسوماتي وخطوطي وألواني» هكذا تعرف الفنانة برسوماتها وتقدم لمتأمل اعمالها مسحة فنية وتاريخية عن سرّ كل تحفة فنية تنجزها.
الرسم موسيقى وشعر وقصائد موزونة
الرسم عالم كامل للرحيل والحلم، الرسم ليس مجرد وضع الوان على لوحة كبيرة بيضاء او رسم خطوط وتشكيلها في عمل واحد، الرسم ملحمة للحب تعيشها وصال بن سليمان كلما وقفت امام ذاك البياض وفكرت في اعطائه شحنة من الحياة، الرسم عندها تحويل نوتة موسيقية الى لون، الرسم كلمات شعرية موزونة يسهل تلحينها من خلال الخطوط والمشاهد، الرسم كتاب مفتوح يحكي اسرار القدماء وربما يتخيل حكايات الاجيال القادمة فلا حدود للخيال ولا حدود ممكنة للإبداع.
تقف امام لوحتها تسكب فيها من روحها، تصنع من بياضها معجزتها الصغيرة، تداوي جروح متأمل اللوحة، تلك العصافير تكاد تطير بحثا عن حرية دائمة، وذاك الوجه المخفي خلف زهرة برية يبتسم او يرسم ابتسامة الانتصار الأزلية، وتلك الخطوط تتماهى مع حركات راقصة البالية وهي في علياء سماء نشوتها، اما الالوان فقصة اخرى للحب ووجه اخر للأمل تتقن جيدا توزيعه على كل الاعمال.
عن كيفية تحويل البياض الى فضاء ابداعي تقول بن سليمان «في البدء و أمام بياض المساحة وخلوها من أي علامة، ولو صغيرة، يزوغ بصري، ويتراجع محبطا حائرا، الصعب هو ان لا أجد طريقا، أو علامات ارشاد، إنه لج مسطح نضيف، قد يغرقني في جوانبه او مركزه، البياض أو الفراغ مزعج لبصري، مقض لمضجعي،عندما أعقد العزم ، واجمع فرشي، واقلامي، وألواني، أقف طويلا مترددة، أبحث عن المفردات في ذهني أرتبها على الميزان و كأني اكتب شعرا على وزن البحر البسيط، في ذاكرتي لم يبقى في مخزوني الا تفعيلة واحدة اتذكرها تفعيلة بحر المتقارب فعول فعول فعول، فحتى البسيط لا يمكنه نجدتي، وفي ذاكرتي كلمات، وأحاسيس، ومشاعر، وسجع مجرد سجع منفلت من قيود الميزان، عندما كنت أهم بالكتابة لأنه كان من ضمن شغفي الكتابة، تراودني الكلمات متفرقة، والمعاني متكلسة، في لحظات جياشة مستثارة، احداث كثيرة تلك التي تثيرني، و تفاصيل أكثر» فالتفاصيل التي نشاهدها في اعمالها هي جزء من ذاكرتها وطقوسها المميزة فأعمال وصال بن سليمان تعويذة تشكيلية او قصيدة قافيتها الحب وميزانها الامل.
لكل فنان عوالمه التشكيلية الخاصة، لكل فنان طريقة ما في معالجة المواضيع فالرسم بكل مدارسه ينبع من روح الفنان ونظرته للعالم وللآخر، من ادراج النسيان وملفاته المتراصة تخرج بن سليمان الوانها وقصصها وتدقق في المعنى ليكون اجمل حين يرسم، فهي ترسم «جُرح أو حرج، صورة أو منظر، ألم أو سعادة، نشوة أو خيبة، و ثنائيات، و ثلاثيات، ومجموعات، وبحر من المعتريات المتوثبة، او المتسربة بصمت، جمل متراكمة تتزاحم على فمي فتستقر في ورقتي، او تسقط من الذاكرة، لأنها قد تسقط من الذاكرة، فتضيع في منطقة النسيان، نعم منطقة النسيان، إنها منطقة عجيبة بها آلاف المفردات، والكلمات، والأسرار تلك التي ان دخلها شيء كنت أزمع استغلاله يبدو لي اجمل ما كان يمكن أن يؤثث ورقتي او محملي أو حياتي، لكنه فضل الغياب عن ادراكي أو وعيي فهل حقا غاب عن إدراكي بدخوله عالم النسيان؟ ما يعزيني ان عالم النسيان ذاك خاصتي، هو عالم في منطقتي ليس منفصلا و لا بعيدا عني، هو عالم من صميم مساحتي الشخصية « بعد البقاء طويلا في منطقة النسيان وإخراج ملفاتها من تلك العتمة تلطخ الاخضر والاصفر والاحمر ورذاذ متطاير من كل ذاك، تريقها بهدوء وتلقيها برعونة، تراكم الوانها طبقة فوق اخرى، تحركها، تجرفها وتكثفها وأحيانا توزعها على كل المساحات، تستكين في فترة تأمل امام مساحة كانت خالية، تدقق النظر فتلمح كل ما سكن الذاكرة يتراقص امامها في لوحة مبهرة، هكذا تصف بن سليمان علاقتها بالفضاء والبياض والألوان في تجربة تشكيلية انسانية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115