هنا صفرة الرمال الذهبية سويعات الصبح تبهر العين وتسحر اللب هنا بوابة الصحراء دوز، المدينة الساحرة دوز المدينة العشقة مدينة تغري الزائر بالبقاء وتشده إليها علّه يستنشق عبق الحب الأزلي.
دوز او المرازيق مدينة تمتد فيها الكثبان الرملية التي تغري بالاكتشاف، تدعو ضيوفها ليرحلوا في اكتشاف تاريخها، يستمتعون ببهاء قصر غيلان وكثبان الرمال في الزميلة والمرور بحديقة جبيل الوطنية، هنا ولدت فرقة مدينة دوز حارسة المسرح بالجهة وهنا تكتب قصص الابداع في مهرجان الصحراء، هي مدينة المتحف المفتوح يعرّف بحكايات العشق والمقاومة في الصحراء.
دوز قصيدة غزل تبدأ بالحب ولا نهاية لقافيتها
هي قبلة للعشاق والباحثين عن صدق الطبيعة وجمالها، دوز محج للحالمين، دوز عشقة» قطعة من الجنة على الارض، انطلقت الرحلة من العاصمة في الساعة السادسة صباحا، اشعة الشمس تغازل الجدران البيضاء، بعد 550كلم تفتح دوز ابوابها لزوّارها، تستقبلهم بصفرة رمالها، تتغير الالوان ورائحة الهواء وامتداد البصر انطلاقا من لافتة الحامة-قبلي، من هناك يصبح الاصفر بتدرجاته سيد المكان، شجيرات صحراوية تقاوم الجفاف وقسوة المناخ وتشرئب كنساء هذا الوطن الشامخ.
الطريق الصحراوية تمتع العين رغم حرارة الشمس، فهنا تسكنك طاقة حب للفضاء، لا وجود للجدران التي تقزّم البصر، لوحة لونية يتدرج فيها الاصفر من الفاقع الى الفاتح ليصنع مشهدية مميزة تزينها نبتة «الرتم» بزهرتها البنفسجية المغرية تخبر الزائر ان هنا يزهر الامل من الالم، هنا يصنعون لحاف الحب من الوجع، هنا دوز التي تغزل بها وليدها علي بن ناجي وكتب فيها:
«دوز عرق مترامي بعيد بعيد
دوز قدح بأكسير الحياة راويني
دوز بلسمي من الجرح والتنهيد
دوز حضن من هول الزمن حاميني
مرازيق حتى اسمهم كافيني
حرة شريفة تنبعث من حرة»
فمرحبا بك ايها القارئ في مدينة الشعر والكلمة الساحرة والقافية المميزة، مرحبا بك في بوابة الصحراء، مرحبا بنا في بوابة الجمال والحلم، فلتكن الجولة بين سفن الكلمات ومرافئ المعاني التي تزخر بها دوز، فدوز مدينة للشعر «في دوز من الصعب جدا ان يبرز شاعر ويعترف بشعره الكل هنا يقولون كلمات شاعرية ولتصبح شاعر يجب ان تحمل ثقافة عالية بالمعاني، تتشبع بقيم المكان حتى تبهر المستمع الى ما تقوله، فدوز مدينة الشعر هي قصيدة حب جميلة» هكذا يصفها علي بناجي وهو يقول كلماته المغرية بمزيد الانصات.
دوز المدينة القصيدة، موطن لفطاحلة الشعر الشعبي والفصحى، هي موطن الشاعر البشير بن عبد العظيم احد اعلامها ورموز الكلمة القصيدة المميزة، مولد الشاعر علي بن الاسود المرزوقي الذي رثى نفسه على الركح في اخر قصيد كتبه:
نا متت يجعلها البراكة فيكم
منيش تنوصيكم قولو علي كيف ما يواتيكم
قولو صار سخي قلب
يدّمروا رجليه ويوقيكم (يضحي بنفسه لاجل ابناء مدينته ووطنه)
غير اقطروها جرايري تنبيكم (اقتفوا اثري لتعلموا مسيرتي)
كان بحر يدفر قافيته واوزانه
واليوم فسط القبر والدفّان
زي لا مشي لا جي لا محاكيكم
كان فريد
واليوم مات الجدّ والتجديد
واجب علي في تنعزيكم»
دوز موطن بوبكر بناجي وعلي بناجي وايوب بن الاسود المرزوقي وجمال الصليعي وبلقاسم بن عبد المطلب وحمد الطويل وصالح الصويعي، مدينة لشعراء يطوّعون الكلمة لتصبح كما السيف يحاربون به كل تلوينات النسيان، هم يحملون في جيناتهم الشعر ويتسابقون في العكاظيات ليقولوا اجمل القوافي والمعاني،.تسكنهم الصحراء يريدون ان يكونوا صوتها وروحها من خلال الكلمات.
السوق التاريخ تحكيه الحرفة التقليدية
دوز او «الربوة الخضراء» هي ابنة الصحراء وعاصمتها كما يصفها عشاقها، دوز او «المرازيق» وهو اسمها القديم ينحدر ابنائها من قبيلة المرازيق التي تعود اصولها الى قبيلة بني سليم كما حدثنا الحكواتي وابن المدينة صالح الصويعي، دوز مدينة امنة فهي كانت نقطة توقف قبائل الحجاج من المغرب والجزائر وتأسس بها زاويتي «الغوث» و»المحجوب» وكلا الزاويتين كان قبلة لضيوف المكان.
من يقصد تاريخ دوز يقصد بطحاء السوق الذي يعود الى العام 1910، مربع الشكل به ثلاثة ابواب مقوّسة ومجموعة من الدكاكين لبيع منتجات الصحراء والمنسوجات التقليدية التي تتميز بها الجهة، مقهى السوق اول مقصد ضيوف المكان فالمقهى المنتشرة كراسيه تحت شجرة «الطرفاية» المعمرة يحكي تاريخ المدينة وتلك الشجرة الشامخة عنوان لقدم الفضاء الذي يحاكي قصص اول من سكن هناك.
بعض الفوانيس والقصاع (القصعة في الجهة هي رمز للفرح واللمة) والأواني التقليدية تعرض امام الدكاكين، في اقصى اليمين اجمل الحوانيت يسمى «حانوت الباي» هو عنوان للتراث والتاريخ، منذ الباب تبهرك الالوان في المرقوم المعروض والاكسسوارات الطوارقية، زينة الصحراء والوانها تعرض لزوار المكان، اللحفة الصحراوية بالوانها المميزة تغري بالتوقف ولباسها لتشعر انك ابن الصحراء فاللباس هوية ايضا، شكري صاحب الدكان يستقبل ضيوف المكان بلباسه الطوارقي كاملا بلون ازرق ملكي مبهر ولحفة يميل لونها الى البنيّ الفاتح مع البُلغة الصحراوية تيمة المكان ورمز «البس هويتي، انا ابن الصحراء واعشق الوانها وكل ماهو صحراوي وطوارقي تجدونه في الدكان تجدون هويتي بين كل المعروضات» كما يقول بصوته البشوش.
الى جانبه دكان صغير يعرض الكثير من «البُلغ» بالوان مختلفة، في الداخل ينكب على الجلد يخيط البلغة، الحرفي نور الدين ورث الحرفة عن الاجداد «صنعتنا، احب هذه المهنة وورثتها عن والدي، اصنعها بكل الحب، نصنع البُلغة التقليدية بلونها الاسود الرجالي والبني النسائي ونصنع ايضا البُلغ الملونة والموشاة بالخيوط المبهجة للنساء والفتيات» حسب تعبيره ليعود الى بلغته ينصت لام كلثوم ويواصل تمرير الخيط بمهارة وشغف.
في السوق تدعوك الالوان لمزيد البقاء، الكثير من المنسوجات التقليدة بالوانها المميزة، الكليم المرزوقي يوجد ايضا ويختلف عن البقية بالوانه الثلاثة الابيض والاحمر والاسود ويتوسطه «نقشة» عادة ماتكون احدى رموز الصحراء، كما يعترضك في السوق الكليم الوذرفي والجريدي والقبلاوي والقابسي وانواع كثيرة من تراث وموروث المنسوجات التقليدية يدوية الصنع، فللصحراء تيمتها و المنسوجات جزء من الهوية.
تتماهى كل التلوينات الفنية في المدينة المقصد، دوز تستقبل زائرها بتمثال لفارس بسلاحه مرفوع الرأس وتودعه بمفتاح المدينة الجميل وبينهما منحوتات للجمل (سفينة الصحراء ورمزها) والغزالات و»بخاخات القبر» (منحوتة لنسوة وطفل صغير يقابلون المقبرة) والنخلة وعدد من المنحوتات التي تتوسط المدينة وتشبه بطاقة تعريف للمدينة فالفن التشكيلي والنحت من رهانات كل البلديات التي تعاقبت على المدينة وعدد من الاعمال التي تحمل بصمة ابن دوز وعاشقها صالح الصويعي.
هو من رموز المدينة وحارس ذاكرتها، عم صالح كما يناديه الجميع يلبس جبته الجميلة واللحفة المرزوقية واحيانا البرنس البني التقليدي، عكازه لا يفارقه، كلما تحدّث باح باسرار المدينة، عم صالح فنان تشكيلي ومسرحي وحكواتي، يعرّف الاطفال بتاريخ جهتهم وتاريخ وطنهم انطلاقا من التراث «التراث ليس فقط اغنية او حجارة التاريخ حيّ فينا ويجب ان نمرره الى اطفالنا» كما يصرح صالح الصويعي.
اختار الدفاع عن الموروث بفنه وتعليم الاجيال تاريخهم وحكايات اجدادهم من خلال الرسم والفداوي، في دوز فتح صالح الصويعي جزء من بيته وحوله الى فضاء للفنون «دار صالح للفنون» باب ازرق كبير موشى بقليل من اللون الاخضر، قاعة طويلة تحمل الكثير من اللوحات من رسومات زيتية الى خط عربي تحكي تاريخ الجهة وهويتها «الفضاء جزء من بيتي، اردته مكان لتجميع ذاكرة دوز وتراثها، هو قبلة للاطفال بوجود عدد من المدارس القريبة من هنا، اعلم الاطفال الحكاية و التاريخ بالفن، فالفن هويتنا ووسيلتنا ليعرف جيل اليوم عظمة دوز وشموحها»، عم صالح كلما تحدّث ستطلب المزيد لانه حلو الكلام يغريك بالانصات، هو ذاكرة تتحرك على قديمين، روح لن تعرف الفناء.
ها قد اوشكت لجولة على النهاية ولا زال الكثير لم نكتشفه بعد، لازالت الواحة تنادي بمزيد البقاء لسماع قصص عشاقها وقول اجمل الكلمات في كنز المدينة «الدقلة»، فهنا لكل شيء قيمته، هنا باعة التمور في الشارع الرئيسي كما سفراء المدينة بكلام ملحون واسلوب بيع جميل، هنا اينما وليت وجهك وجدت بلسم يشفي الروح والذاكرة، دوز تعجز الكلمات عن توصيفها لانها تشبه نوتة متمردة او هي زغرودة فرح تنطلق من حنجرة عاشقة، هي الياذة جمال تستحق الزيارة والاكتشاف فبوابة الصحراء وامتدادها يتماهى مع امتداد القلم وفيض الكلمات.