مسرحية «الموقوف رقم 80» لعبد السلام طيره - ليبيا ضمن أيام قرطاج المسرحية في دار الثقافة ابن رشيق: صرخة ضدّ الظلم وانتصار للأمل وللإنسان

هل تشفى الجراح بعد سقوط الديكتاتور؟ هل ينسى المعذّب عذاباته الطويلة وهو مظلوم فقط لأنه عبر عن رايه؟ هل يداوي الزمن جراح الروح والجسد بعد التعذيب

والانتهاك باسم حماية الدولة من ابنائها؟ هكذا يتساءل عبد السلام طيره في مسرحية «الموقوف رقم80» نص لعباس الحايك .
«الموقوف رقم80» مسرحية سياسية انسانية، عمل يكشف عن قبح الانظمة في تعاملها مع ابنائها الصادحين بالحقيقة، هي صرخة ضد كل اشكال التعذيب وانتصار للامل والرغبة في الحياة.

فنون التعذيب لم تطفئ شمعة الامل
زنزانة صغيرة، يقابلها مكتب للتحقيق، شخصيتان يفصل بينهما امتار قليلة ظاهريا لكن باطنيا هناك كيلومترات طويلة من الخوف والالم والعذاب، حوار بين محقق وموقوف، الاول محقق اتم دراسته في كلية الشرطة، اختارها لانها تعطي الهيبة وحديث العهد بالسجن يدخل الى الركح متباهيا بنفسه معتدا بنجاحه في كلية الشرطة ورغبته في مزيد تطوير مهاراته في التعذيب لمزيد اقتلاع الاعترافات من الموقوفين «لم أكتفِ بما درست في الكلية حول طرق التحقيق، قرأت وتثقفت، لأتعلم طرقاً أكثر»، اما الشخصية الثانية فمنزو في زنزانته، موقوف منذ عشرة اعوام في نفس السجن، درس الهندسة لارضاء والده لكنه لم يكمل اعتقل في سنته الجامعية الثالثة، درس الهندسة «لم أكن مقتنعاً بالهندسة، أحب الإعلام، أمنيتي أن أكون صحفياً، لأجل والدي تخليت عن أمنيتي، لأجل أن يكنى بأبي المهندس»، فطرفي الحوار والاحداث شخصية صاحبة السلطة واخرى مسلوبة الحرية والقرار تبحث فقط عن براءتها، بينهما يحدث الصراع الذي يتقنه الممثلين على الركح.
«الموقوف رقم 80» مسرحية تنتصر للانسان المظلوم اينما وجد، لا يمكن حصرها في مكان او زمان، فهي صالحة لكل الأزمان التي يوجد بها حاكم متسلط وسجناء يسلبون الحرية فقط لانهم قالوا الحقيقة او كتبوا ارائهم في مقالات فيتهمون بالخيانة وربما الاعدام «ومشاركتك في مظاهرة داخل الجامعة؟، والمقالات التي كنت ترسلها لبعض المجلات، أحاديثك وتصريحاتك ضد الحكومة لأصدقائك ومقربيك، ألا تعتبر كل هذا خروجاً على القانون؟».

حوار ثنائي بين صاحب القوة والمستضعف، حوار يكشف بشاعة السلطة في تعاملها مع ابنائها، صورة أبدع في كتابتها عباس الحايك وقدمت مشاهد التعذيب بتقنيات خيال الظل وأصوات للصرخات مع إتقان الممثلين للشخصية خاصة دور الموقوف لبس الشخصية حدّ الصدق وتماهى مع وجعها وخوفها فكان اداؤه مربكا وكأنه يخرج الحكاية من خبايا ذاكرته وينفخ عنها تراب الزمن لتصبح الصورة ناصعة لانسان انبعث من عذاب عشرات اعوام بين القضبان، اداء يكاد يكون الحقيقة امتزج مع الاضاءة الخافتة التي تحمل المتفرج الى عالم السجن والزنازين فتكاد تسمع صرير العظام من شدة البرد وايقاعات المطر تصنع سيمفونية التعذيب فوق راسك مباشرة، سجين تسلب حريته بتهم مزيفة «المظاهرة التي اعتقلت لأجلها كانت لمطالبات مشروعة، المقالات كانت مجرد قراءة للوضع الاجتماعي الذي كنا نعيشه، أما حديثي عن تقصير وزارة من الوزارات في واجباتها تجاه الناس لا يعد تعدياً على الحكومة».
«الموقوف رقم80» مسرحية ذات بعد سياسي تنقد الانظمة الديكتاتورية، تكشف قبح الجلاد وبشاعة رجال السلطة والبوليس كلما أرادوا الارتقاء في عملهم زادوا جرعة التعذيب، بين انسان متسلط واخر مستضعف تدور احداث المسرحية، تعذيب بوضع الراس في الماء، صوت حشرجات الروح المنهكة، اطفاء السجائر في الجسد المتعب، ضرب وصعقات كهربائية، اساليب قديمة واخرى مستحدثة كانت ولا تزال تستعملها الانظمة لاخذ الاعترافات تحت التهديد والتعذيب، مسرحية تقدم بصيغ سينمائية مع حضور الصور المعروضة وتقنيات خيال الظل والزمن الاحداث المتسارعة والاضاءة التي تقسم الركح حسب الاحداث وتكون الفاصل بين المشاهد ايضا، ليصل العمل مباشرة الى المتفرج ويدعوه لطرح الاسئلة عن واقع المساجين السياسيين في كل دولة نظامها متسلط.

وينتصر الامل على القوة والظلم
هل سينسى الليبيون عذاباتهم داخل السجون؟ هل ستنسى العائلات دماء ابنائها التي علقت بجدران الزنازين؟ هل سيغفر الموقوف ظلما لجلاديه؟ هل ستداوى جراح الروح بعد الجسد؟ هكذا يتساءلون في المسرحية.
بين الهزيمة والنجاح خيط رفيع، بين الياس والامل خيط ارفع هكذا تصير الاحداف، في المسرحية يكون الانتصار للموقوف الضعيف ويكسب الرهان من المحقق المتجبر، كل العذابات والضرب لم يجعلاه على وثيقة الاعتراف، فالاقتناع بالبراءة والامل في الخروج هو زاد السجين، في المقابل تكون الهزيمة من نصيب السجان، على الركح يبوح المحقق بانكساره وهزيمته «أبي تربى على العسكرية، حول بيتنا إلى ثكنة، أوامر لا تنتهي، منذ طفولتي وعيت على أبٍ لا يبتسم أبداً، حين يعود من عمله يستنفر الجميع لاستقباله، كبرت قليلاً وأنا أتحمل صفعاته المؤلمة على وجهي إن أخطأت، كان يريد أن أكون ضابطاً مثله، وأنا أريد أن أكون طبيبا، صرت ضابطاً لأجله، بل خوفاً من صفعاته، أبي سيصفعني إن عدت له دون أن انتزع اعترافك، سيصفعني، سيصفعني، أتفهم سيصفعني» فالعمل يصبح كما الكتاب النفسي يغوص في نفسية الشخصية ويحللها ويضعها عارية ومكشوفة امام الجمهور.
ينتصر الامل على الياس، تنتصر البراءة على الظلم ويربح الموقوف جولة اخرى بتغيير المحقق دون نزع اعتراف منه، جولة حياة جديدة مع محقق جديد، عذابات جسد اخرى لعام اخر يسقط من اوراق العمر لكن البراءة فانوس يضيء الليالي المظلمة وترياق يشفي الجسد من جراحه، بين نص موجع واداء مقنع وسينوغرافيا تقرب المشاهد للمتفرج تكون عوالم مسرحية الموقوف رقم 80 مسرحية تنتصر للانسان وتصرخ ضد كل الانظمة ان كفوا عن الظلم والتعذيب فللانسان الحق في التعبير، للمواطن الحق في قول الحقيقة والكتابة دون الخوف من السجن والانظمة ليست فوق النقد مادام الوازع الوطني والحس المواطني هو الدافع الاول، كفاكم ظلما فهناك مسرح سيكشف قبحكم وجبروتكم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115