السؤال عن تلك الرصاصة الغادرة التي اخترقت قلب الفاضل ساسي، هل استحضرت آخر كلماته حين تسمع «يا شهيد الخبزة رجعت، يا شهيد الخبز ثور؟».
هل تسكنك الأسئلة حين تقف أمام جدران السفارة المصفحة بالحديد وتساءلت عن آلاف الأحلام المسروقة أمامها؟ هل تمر من ذاك الشارع مرور الهائمين ام تستوقفك كل أشجاره وعصافيره لتسألها عن تاريخ هذا البلد الذي كتب جزء منه بالدم في الشارع الأكبر شارع الحبيب بورقيبة اليوم، هي مجموعة من الأسئلة يقدمها الممثلون على الركح في مسرحية «ثقافوت» إنتاج مودعي السجن المدني بالمرناقية واخراج العيدي بن فرج.
تدور أحداث المسرحية في مقهى، طاولة صغيرة فوقها راديو كبير الحجم وصورة للازهر الشرايطي بعمامته البيضاء الساحرة، وتعريفة المقهى، يدخل احدهم هاربا من البوليس يريد الاختباء في المقهى وينطلق الحوار بين الهارب «الاستاذ» وصاحب المقهى، حوار يستحضر تاريخ تونس وكيفية تغيير العقلية المجتمعية فقط بالثقافة والفنون.
«ثقافوت» هو عنوان المسرحية التي تغوص في تاريخ الشارع العظيم وتفرعاته الاخرى لتقديم نبذة عن نضالات الكثير من التونسيين الذين سقطوا هناك وسالت دماؤهم لتروي اسفلت الشارع وتزهر الحرية.
الى ارواح الشهداء يهدى العمل، نص مكتوب بكل الحب لتاريخ هذا الوطن، محاولة لتعريف الجيل الجديد بتاريخ البلاد واسماء من سقطوا في دفاعهم عن الحق في الحياة والكرامة، أغنية يا شهيد يرتفع صوتها عاليا مع إضاءة حمراء في إشارة الى دم الفاضل ساسي الذي سقط برصاصة في ثورة الخبز كما يقول الأستاذ فيعلق صاحب المقهى «علاش التوانسة يثوروا فقط في غلاء الخبزة، اليوم الحليب ارتفع ثمنه، والدجاج وكل المواد الغذائية تقريبا لكنهم صامتون فلم يثورون فقط على ارتفاع ثمن الخبزة» فالنص يسلط الضوء على ارتفاع الاسعار وعجز التونسي على توفير»قفته» امام ارتفاع يومي للمواد الغذائية
«ثقافوت» حوار ثنائي بين استاذ مثقف ومواطن «جهلوت» كما ينعت نفسه، حوار بين باحث في تاريخ البلاد ومطلع على احداثه ومواطن يكتفي بالاكل والشرب دون استعمال عقله للتفكير، في المسرحية يقنع الاستاذ محاوره بضرورة تحليل كل المعطيات التاريخية ومعرفة ان لكل شارع روح ولكل مكان رواده من المفكرين القادرين على التغيير، يزرع فيه فيروس السؤال، يخبره عن حرب الخليج «الضرب في العراق والوجيعة في تونس» لتقارب بين الشعبين ولان الكثير من التونسيين درسوا في جامعات العراق، فينادي الاستاذ روح المداني بن صالح ويستحضر خطابات الشهيد شكري بلعيد فكلاهما خريج العراق، بطريقة مبسطة يسردون العديد من المعطيات التاريخية وينتقلون من مشهد الى اخر مع الموسيقى والإضاءة التي تساهم في صناعة عرض مسرحي متكامل الأركان.
«ثقفوت» مسرحية مكتوبة بنزعة وطنية، عمل يستحضر شهداء البلاد وصادقيه، يعبر عن رفض العنف البوليسي وسياسات القمع للمحتجين والحالمين، مسرحية تشرّح العديد من الظواهر اولها عدم اهتمام الشباب بتاريخه ولا معرفة تفاصيل أحداثه المفصلية، مسرحية جريئة من حيث النص والطرح، عمل انساني ينتصر لدماء سالت في الشوارع وهي تطالب بحقها في الحياة.
المسرح حرية، المسرح فعل متمرد والثقافة هي مقياس تحرر الشعوب وتقدمّها، بالثقافة يمكن تطوير الدماغ البشري وزرع لبنة السؤال في المواطن البسيط وتشجيعه ليكون فاعلا لا مجرد مستهلك، هكذا هي سيرورة الاحداث في المسرحية، فصاحب المقهى بعد تشبعه بتاريخ بلاده واهمية الفعل الثقافي حوّل اسم مقهاه الى المقهى الثقافي واصب حاول المدافعين عن الاستاذ وافكاره «الاستاذ ما يموتش، موت الاستاذ يعني موت الفكرة وموت الكلمة»، كل رواد المقهى اصبحوا من المهتمين بالتاريخ، بالسؤال، بالوطن وبالانسان التونسي الحرّ، في المسرحية يقدمون رسالة حب للاستاذ ومنه الى كل من يمنح الاخرين باقة العلم والحب.
«ثقفوت» مسرحية يتماهى فيها النص الجريء والاداء المقنع مع ديكور يخدم موضوع العرض المقدمن بالاضاءة الى استعمال موسيقى مميزة واغلبها اغان ذات نفس ثوري، عمل توجه بالتحية الى ابو القاسم الشابي «لا انهض وسر في سبيل الحياة» و الى شاعر البلد الصغير اولاد احمد «نحب البلاد كما لا يحب البلاد احد»، هذا البلد الصغير القادر مودعيه على انجاز عمل مسرحي ثوري يؤمن بقدرة المسرح على صناعة الثورة والحرية.
مسرحية «ثقافوت» إخراج العيدي بن فرج - مسرح الحرية بالسجن المدني المرناقية: من داخل السجون ينقدون الواقع والسلطة
- بقلم مفيدة خليل
- 10:37 07/12/2021
- 1139 عدد المشاهدات
يصنعون «العجب» يبدعون على الركح، يدفعونك إلى السؤال، هل تساءلتا يوما عن الدماء التي سالت في الشارع الكبير l’avenue ، هل أنها طرحت