كمواطن وسلبك الرغبة في الحياة، في بلاد العم سالة فئة ضالة ترفض الجمال وتبحث فقط عن السواد، هكذا يمكن توصيف الفيلم الروائي القصير في بلاد العم سالم للمخرج التونسي سليم بلهيبة المشارك في المسابقة الرسمية للافلام القصيرة.
في المدرسة الابتدائية «عين الرقاد» من معتمدية مرناق تدور احداث الفيلم، صورة بانورامية فوقية تكشف للمتفرج سوء منظومة التجهيز، حفر تزين الطريق وواد يشجع التلاميذ على الخوف من المدرسة، ومدرسة علمها مهمل كاغلب الاعلام المرفوعة فوق الادارات التونسية، العم سالم حارس المدرسة وحامي حصن العلم، يعوض الدولة في اهتمامه بكل تفاصيل صيانة المدرسة، يلونها بالابيض، يغطي شقوق الجدران بالاوراق ويحاول تشذيب الشجيرات المغروسة حول العلم، يصلح الاضاءة فالعم سالم هو تانموذج للمواطن التونسي الحالم ببناء وطنه، يدفع الكثير من جهده البدني وطاقته الفكرية ليجعل بلده اجمل، يحلم بوطن نظيف يرفرف فوقه العلم جميلا بلونيه الاحمر والابيض، لكن الارادة السياسية احيانا ترفض ذلك، فالصراعات الحزبية والتناحر على المناصب يريد ان يبقى العلم رثا كما احلام الكثيرين.
الفيلم انعكاس للواقع التونسي هو صورة لاحلام الكثيرين الذين حلموا بوطن افضل وطن يحترم العلم والمدرسة، وطن يبنى باجتهاد أبنائه وصدقهم، هو انعكاس لصورة الخيبة التي سكنت التونسيين من انتظاراتهم من الثورة، كل ذاك البياض الذي رسمه الشباب والتونسيين تلطخ بالسواد بفعل الانقسامات الحزبية، تلك الشقوق التي سدت تبين انها كانت اعمق من مجرد خلاف ووصلت حد التناحر والتحريض الى القتل، تلك الاحلام البسيطة برؤية الوطن «سالما منعما وغانما مكرما» أصبحت كوابيس تؤرق حامليها، في بلاد العم سالم توجد تونس المسلوبة الارادة كما العم سالم، تونس العنيفة كمشهد ضرب رجل الأمن لشيخ شعره ابيضّ شيبا، تونس التي اختلف حولها اولادها فتفرقوا بين مستفيد ومنسحب وخاضع ومحتجّ لتتفرق الامال في البلاد.
«في بلاد العم سالم» تنقل الكاميرا وضعية المدرسة الابتدائية، الشقوق الكثيرة والبلور المحطم والقاعات غير المجهزة والطريق غير المنجزة هي رؤية اخرى لاسباب الانقطاع عن الدراسة، اذ بلغ عدد المنقطعين تقريبا مليون طفل حسب اخر الاحصائيات وتهلهل المنظومة التعلمية وبؤس المؤسسات التربوية سبب من الاسباب.
المدرسة التي صور فيها الفلم تبعد بضع كيلومترات عن تونس العاصمة وهي بتلك الوضعية التجهيزية السيئة فكيف بالمدارس في المناطق الداخلية والريفية؟ ايّ فضاء يدرس به التلاميذ ويزرعون داخله بوادر الحلم الاولى، اي ظروف يعمل فيها المعلم والاستاذ امام كثرة الشقوق وقتامة الجدران وعدم وجود وسائل النقل واسئلة عديدة تطرحها كاميرا سليم بلهيبة في تجوال الكاميرا بين فضاءات المدرسة دون وجود حوار، فالكاميرا تكون سلاح المخرج ليتعرف الجمهور على تهلهل المنظومة التربوية وعدم الصيانة للمؤسسات التربوية.
السينما صناعة للحياة ومحاولة لطرح الاسئلة عن الواقع والوطن من خلال الكاميرا، هي بحث عن الحقيقة وكشف للهنات الكثيرة التي تعيشها المنظومة السياسية والتعليمية والمجتمعية في تونس، محالة لتقديم صورة تونس بعدسة كاميرا مخرج حالم ينتصر للانسان ولثقافة الحياة، في الفيلم تصبح السينما وسيلة للمقاومة: مقاومة الخلاف بين التونسيين ومقاومة فكرة تقسيم ابناء الوطن الواحد ومقامة تخلخل المنظومة التعليمية وانتصار فقط للانسان وللراية الوطنية حمراء كدماء شهدائها ترفرف صادقة صدق الاطفال وهم يرددون في يومهم الدراسي الاول «حماة الحمى يا حماة الحمى، نموت نموت ويحيا الوطن».