يتركها ويخلد الى سباته؟ هل يفكر الاموات تفكير الاحياء؟ هل أن تونس اليوم ارض للحياة؟ ام تتماهى مع المقبرة الجماعية وتقبر الاحلام والامال والطموحات؟ من هذه الاسئلة تنطلق مسرحية «تحت خط الحياة» نص عبد الحكيم العليمي اخراج محمد مراد الغرسلي وانتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بالقصرين.
المسرح سؤال، المسرح وجع، وعلى الركح يبدع الممثلين و ينخرطون في حملة «تحريض على الوعي» علهم يكونون صوت المجتمع ووجعه في مسرحية من تمثيل زينة المساهلي والطيب الملايكي ومقداد الصالحي وحسام الهلالي وصالح الظاهري وسينوغرافيا لمنير السميعي وتصور الموسيقى لهمام التليلي واضاءة شاكر القاهري وجرافيم بلال خربوط وديكور يامن العبدلي.
المسرحية تنتصر للهامش والمهمّشين
«تحت خطّ الحياة» هو عنوان المسرحية، في تفكيك العنوان المتكون من مترادفتين «تحت» التي تحيل الى الأسفل و الحضيض و«خط الحياة» بمعنى الموت فالعنوان يحمل المتفرج الى من هم تحت وليس سكان المقابر فقط بل الاحياء الموجودين على هامش الحياة اولئك المعدمون بمختلف افكارهم وانتماءاتهم، الى من هم يسكنون تحت الحضيض يهدي محمد مراد الغرسلي عمله المسرحي الجديد ليمزج بين الاموات والأحياء ويترك لهم فرصة اللقاء المباشر المشحون بالغضب والنقد.
«تحت خط الحياة» يسكن الكثير من التونسيين الذين سرقت منهم الضحكة والامل، تحت خط الحياة يقطن سكان الجبال التي استوطنها الارهاب فاصبح الخوف والجوع يلازمهم، تحت خط الحياة توجد النسوة الكادحات الباحثات عن لقمة عيش مقابل دنانير محدودة وبعد ساعات مضنية يكون المصير اما الموت او البطالة، تحت خط الحياة يقطن الكثير من المثقفين حاملي فكرة التمرد و المنادين بواقع ثقافي افضل ومشهد يقبل الجميع، مبدعون جوّعوا وأحيلوا الى البطالة القسرية بسبب بيروقراطية الادارة و جائحة الكوفيد فبات بعضهم يستجدي ثمن اللقمة، تحت خطّ الحياة يوجد الكثير من التونسيين، آلاف منهم سرقت امالهم وحقهم في الحياة الكريمة بسبب فشل الحكومات المتعاقبة حد ان اصبحت تونش تشبه «مقبرة» رمزية للاحلام بسبب تفشي الفساد في المجتمع وغياب قيم العل والحرية والثورة المسلوبة « تتعدى سنين وتتعدى اعوام والشعب النوام في الغفلة عوّام» كما تقول المسرحية.
خلف السؤال وجع النقد
المسرح سؤال، وعلى الركح يطرح المخرج والممثلين الكثير من الاسئلة الناقدة، عن الحياة والموت، اول الاسئلة من الحيّ؟ من فوق الارض او من يقطنون التحت؟ في مقبرة تدور احداث المسرحية، مجموعة من شواهد القبور الصامتة يحرسها «عمار الحشايشي» و يصحبه صديقه الشاعر «الزاقلو» كلاهما يهربان ليلا الى المقبرة والمخدرات لينسوا ثقل الحياة ووجعها، يجدان في التدخين شغفا جميلا الى ان يقرر من يسكنون التحت النهوض، ليتحدثوا بدورهم عن معاناتهم السابقة، وينطلق الحوار بين الاحياء والأموات والخوض في العديد من المواضيع التي تثهل فكر التونسي.
من الواقع تنطلق احداث المسرحية وشخصياتها، ففي مكان ما من تونس يوجد شاعر مثقف سرقت احلامه بعد اجهاض السياسة لثورته المنتظرة، في كل مدينة توجد امرأة ماتت حسرة وغبنا بسبب عقلية مجتمعية تحصر انسانيتها في قطرات دم محدودة، في الكثير من الاماكن يوجد من يشبه حارس المقبرة في بحثه عن قوته والعمل الكثير قبالة ملاليم قليلة، في الكثير من الاماكن يوجد رجل اعمال فاسد «يستكرش» امام تفقير الشعب، يسرق اصواتهم في الانتخابات ويسرق احلامهم الصغيرة بمجرد وصوله لكرسي الحكم فتنطلق صفقات البيع والشراء وما يعيشه الشارع التونسي في الفترة الاخيرة والمطالبة بمحاسبة سارقي اموال البلاد دليل على ملفات الفساد الكثيرة التي تضمنتها المسرحية.
«تونس على الركح» هكذا يمكن توصيف المسرحية المسكونة بالسؤال والنقد، في المسرحية الكثير من الصرخات ومحاولة لتجسيد الوجع المنتشر بين التونسيين، احلام مسروقة وآمال خائبة، فساد سياسي وتعاقب للكثير من الحكومات دون إنجازات تشابه بين الوطن والمقبرة وتطابق بين خوف الاحياء واوهام الموتى، هي رحلة فنية وإبداعية يخوضها ممثلين انصتوا جيدا لنبض الشارع وانتبهوا للتفاصيل الكثيرة في وطنهم الصغير القصرين ليجسدوه في عمل مسرحي.
تناسق الجانب التقني مع موضوع المسرحية
«تحت خط الحياة» يتحد ابداع الممثلين وانتقالهم السلس بين المشاهد وتقمص الشخصيات بكل تناقضاتها مع السينوغرافيا والاضاءة والموسيقى والديكور فللجانب التقني دوره في نجاح اي عمل مسرحي، الموسيقى من ابداع همام التليلي صنعت للعرض، الموسيقى في المسرحية تعبيرة مميزة وهي محاولة لسبر اغوار الشخصيات، الموسيقى تنقل انفعالات الشخصيات تنقل الخوف والفرحة وجميع الاحاسيس النفسية يلتقطها صانع الموسيقى ليقدمها في مقطوعات موسيقية ترافق المسرحية.
الاضاءة تكاد تكون شخصية سادسة، الاضاءة تقسم الركح الى اروقة وكانها تفصل بين عالمي الحياة والموت ثم تصبح وسيلة للتعرف اكثر على حكايات الشخصيات عبر التركيز على ملامح الوجه وحركات الجسد المتسارعة، الاضاءة تضع كل شخصية تحت مجهر الحقيقة لتصل الرسائل بكل شيفراتها الى متلقي العمل لفهمها وطرح اسئلة اخرى تتماهى مع سؤال الحياة والموت،وبين سحر الموسيقى وإمتاع الاضاءة يببدع منير السميعي في التوليف بينها لتكون سينوغرافيا العمل متماهية مع الموضوع المطروح في المسرحية، فالسينوغرافيا بما هي لغة الفرجة ترسخ في ذاكرة المتفرج وفي «تحت خط الحياة» تكون السينوغرافيا والمؤثرات التقنية ركن اساسي في العملية الابداعية.
مسرحية «تحت خطّ الحياة» إخراج مراد الغرسلي: «تنفيسة» على الركح وتصعيد فنّي ضدّ الفساد السياسي والأخلاقي
- بقلم مفيدة خليل
- 09:53 04/08/2021
- 1133 عدد المشاهدات
«من نحن؟ هل نحن احياء أم أموات؟ هل نحن الافضل؟ الاحياء فوق الارض ام الموتى تحتها؟ ايهم الاكثر حظا؟ من يعاثر الحياة ووجعها ام من