الوطن والمواطن، هم رسامو الكاريكاتور ذاك الفن الساخر الموغل في الوجع جزء من المشهد الفني التونسي، لهم آراؤهم ومواقفهم التي يرسمونها ويبدعون في تقديمها في رسومات تبدو مضحكة لكنها مسكونة بالسؤال والوجع.
شغلت قرارات الرئيس قيس سعيد الاخيرة العديد من المثقفين بكل مشاربهم الابداعية، قرارات لم تفلت من ريشة رسام الكاريكاتور المشاكس انيس المحرسي فحوّل تلك القرارات ورؤيته للواقع والمشاكل التي يعيشها التونسي الى لوحات ممتعة، وحده يتقن تفاصيلها ويمسك بتلابيب الابداع فيها.
بين النقد والسخرية تتكون ملامح الكاريكاتور
فنان مميز، صنع مسيرته في صمت، انحاز برسومه الى هموم وطنه وقضايا أبناء شعبه، أمسك باليات النقد ويعرف جيدا الموضوع الذي يختاره للنقد، ككل التونسيين يهتم انيس المحرسي بالسياسة يوغل في النقد، منذ اعوام وهو يرسم كاريكاتور عن معاناة تونس والتونسيين في ظل منذ حكومة الترويكا اولا ثم فترة حكم النهضة وحلفائها، يرسمهم «الحمامة» تحاول الطيران وفوقها لافتة كتب عليها 2011 واماما حزمة من الاموال مكتوب فوقها تعويضات، الحمامة رمز حركة النهضة الباحثة منذ انتخابات 2011 على التعويضات مع نسيان مشاكل تونس ومزيد تفقيرها كما رسم انيس المحرسي، فقر وعجز في ميزانية الدولة وفقر في المشاريع والانجازات مقابل ظهور اثرياء جدد في كل المجالات مصدر ثرائهم انتماؤهم الى الحزب الحاكم باسم الدين موضوع شغل الفنان فرسم طاولتين كبيرتين ولكل واحدة الكثير من الرفوف، الاولى «ملفات الفساد» بها الكثير من الاوراق والملفات حدّ التخمة والثانية «ملفات المشاريع» فارغة خاوية كأرض جرداء في فصل الخريف.
السياسة بحر من الوعود والشعارات يلتقطها المحرسي بذكاء ليحولها الى رسومات كاريكاتورية تعبر عن المشهد التونسي، يوغل في التفاصيل ويتقن رسم الجزئيات بعض الاعمال ترسم الوجوه واخرى تهتم بالمواضيع، تضخيم الوجه والمبالغة في رسم جزئياته للتعبير عن سياسي ما يكثر من الوعود دون تحقيقها واخرى لمواضيع تتعلق بالفقر والتهميش والاضرابات الكثيرة والعنف البوليسي في الشارع، العديد من المتاهات التي عاشها المواطن التونسي تلتقطها ريشة المحرسي وتعيد رسمها بطريقة ساخرة وناقدة وهو المحبّ لرسمه والمولع بالكاريكاتور والسخرية منذ الطفولة، قبل ان تتضح طريق الابداع وينطلق في تجاربه الخاصة منذ العام 2010، احدى عشرة سنة من الفن والنقد والاهتمام بشواغل المواطن والسخرية من مغالاة السياسيين ووعودهم الزائفة وقراراتهم غير الموجودة جميعها يرسمها المحرسي بشغف طفل.
مع التجربة صقل الموهبة لتصبح مهنة، الكاريكاتور او «فن المبالغة» في الشكل او الموضوع، «هناك رسومات للصحافة واخرى للسخرية احاول ان اعبر بلسان الشعب ما ارسمه صوت الشعب الظلم والفساد اعيد رسمه كتعبيرة عن انحيازي لمواطني بلدي» كما يصرح المحرسي.
والمتأمل في اعمال المحرسي يجد ان الكاريكاتور هو الصرخة ضد النظام هو تعبيرة عن الوجع طريقة تعبير مختلفة عن السائد، هو فن الترميز بعيدا عن المباشرتية والجمل الواضحة، ذاك الفن الذي عرفته ايطاليا في الثلاثينيات هو شيفرات للنقد يتفن المحرسي المسك بتفاصيلها ليقدم اعمال تبدو مضحكة ولكنها مسكونة بالوجع.
الطفولة حلم ازلي
يحمله الحنين الى الطفولة، يسكنه طفل صغير يأبى ان يكبر، للأطفال يرسم، من احلامهم يستلهم جزء من اعماله الكاريكاتورية، ينظر الى الحياة بعين طفل لتكون الاعمال صادقة وقريبة من الاطفال، عالم الاطفال صعب لكنه مغر «منذ الصغر اتابع مجلات عرفان وقوس قزح والرياض، تلك الرسوم شدت انتباهي وسكنت ذاكرتي البصرية ورسخت بمخيلتي واصبحت محبذة عندي» كما يقول المحرسي الذي يحول ذكريات طفولته الى اعمال كاريكاتورية للأطفال بميزة خاصة فهو يرسم بعين طفل ويضع نفسه مكان الطفل قبل الرسم، كما ينتبه الى التغيير الثقافي بين اطفال اليوم واطفال الامس واختلاف الرسائل وطريقة التعبير كلها شيفرات يعيد تحويلها ورسمها ليمتع الاطفال ويقنعهم ويقربهم الى عالم الكاريكاتور.
يرسم بشغف، اعماله الموجه للطفل والمختلفة عن الكريكاتور السياسي الساخر، يتقن الانتقال من موضوع الى اخر، بعض اعماله بالألوان واخرى يكتفي بالأبيض والاسود ولعل من التجارب الجد الناجحة جدا للمحرسي مع الاطفال مجلة «بوشكارة» تقوم على العديد من الرسومات مصحوبة بشخصيات مختلفة ونصوص صغيرة تحمل في طياتها العديد من الرسائل للأطفال خاصة حبّ الاكتشاف والمغامرة وهي من مميزات طفل اليوم.
للاطفل يرسم بروح طفل كبير، يستعمل المبالغة والتضخيم لشد انتباه الطفل، تحضر الالوان بكثافة لتصبح الصورة اجمل، عالم الاطفال اغراه بالأبداع، وعالم السياسة شغله فانتقل بين رسومات الاطفال والكاريكاتور السياسي الساخر بسلاسة واتقان، اتقان من يؤمن بأن الفن رسالة وللفنان القدرة على التغيير متى سكنه حبّ وطنه والايمان بهموم شعبه.
«فن الكاريكاتور»: سخرية بطعم الوجع: أعمال أنيس المحرسي ذاكرة الشعب وصوت الهامش
- بقلم مفيدة خليل
- 11:00 03/08/2021
- 983 عدد المشاهدات
ينحازون إلى الوطن، ينحازون إلى المهمشين والهامش، الريشة وسيلتهم للنقد وللصراخ ضدّ الانظمة و «السيستام» و المتغوّلين على مصلحة