هذا التنوع في الأجناس الأدبية يوحي بأنها تبحث عن الجنس الذي تجد فيه ذاتها ذلك أن الكتابة الأدبية بالنسبة إليها هي وسيلتها المثلى لتجاوز الواقع والعبور إلى الضفة الأخرى حيث أحلامها الشاهقة تلك هي الروائية زهرة الظاهري وفي حوارها مع «المغرب» الكثير من التفاصيل عن مسيرتها الحياتية والأدبية.
• بداية هل لك أن تعرّفي القارئ بالمسيرة الحياتية والأدبية لزهرة الظاهري ؟
زهرة الظاهري أصيلة ولاية قفصة وأقطن منذ طفولتي بمدينة سيدي بوزيد . زاولت تعليمي الابتدائي والثانوي بسيدي بوزيد المدينة ثم واصلت تعليمي العالي بمدينة القيروان وتحديدا بالمعهد الأعلى لتكوين المعلمين لأتخرج بعد عامين من الدراسة بصفة معلمة أولى للتعليم الابتدائي . زاولت عملي بمناطق ريفية عديدة لسنوات طويلة قبل أن أستقر بوسط المدينة .
أما عن علاقتي بالكتابة فهي علاقة قديمة قدم إحساسي بأن لي ذاتا مشاغبة مليئة بالأسئلة والتصورات و بداخلي طفلة حالمة لا تقتنع بالموجود البسيط والعادي بل كانت طفلة ذات تركيبة معقدة تراكمت عندها أفكار وهواجس لا تخضع لمعادلات بسيطة وموازنات سهلة . كنت منذ طفولتي الأولى أبحث عن المعنى الحقيقي للأشياء بدأت بأسئلة بسيطة لتتحول شيئا فشيئا إلى هواجس وقلق دائم فكنت أروم العزلة وأخلق لي طقوسا خاصة بي . كنت وأنا طفلة أروم الكتابة خاصة في أوقات متأخرة من الليل حيث الجميع نيام ماعدا قلمي الذي يسحبني من الواقع إلى عالم من الخيال والمتعة . بدأت بخربشات بسيطة أذكر أني كنت أسميها « خواطر آخر الليل «أدون فيها كل الأفكار التي تشغل ذهن طفلة وتؤرق صفو منامها .
منذ تلك الفترة أيقنت أن الكتابة هي بمثابة صرخات مكتومة لا تهدأ ولا تستقر حتى نترجمها بأسلوب ما مهما بدا لنا بسيطا وشيئا فشيئا بدأت أكتشف أن الكتابة مبعث على البهجة وهي شكل من أشكال الحياة وكما يقول الكاتب كارلوس ليسكانو « أن نكتب يعني أن نبتكر صوتا أو أسلوبا يعطي للعالم شكلا . أسلوبا لا يجب أن يكون أنيقا أو مثقفا بل أن يكون خاصا بك «
زهرة الظاهري مازالت قيد المحاولة مع كل تجربة لها في الكتابة أن تنحت ذلك الأسلوب الخاص بها ..
كتبت الشعر والقصة والرواية كل ذلك في محاولة جدية قد أخطئ فيها وقد أصيب لأكتب يوما ما نصا بمستوى أحلامي الشاهقة جدا وأعلم أن المسألة لن تكون يسيرة في عالم الأدب المحفوف بالمخاطر.
خضت تجربة النشر منذ سنة 2014 فصدرت لي مجموعة شعرية بعنوان صفو الكلام . لأترك بعدها الشعر نهائيا بعد أن أتيقن أني لست مؤهلة لكتابته ولايمكنني أن أتطاول على عالم الشعر الشاهق جدا .
وتلت خطوتي الأولى في عالم الادب خطوات ومنعطفات فانتقلت من الشعر إلى عالم السرد فكتبتةروايتي الأولى المنعطف تليها قصتي للأطفال « ابنة الشهيد « ثم صدرت لي رواية « طيش الاحتمالات « ومجموعتي القصصية « مواعيد آثمة « وهي آخر إصداراتي .
• كيف جئت إلى عالم الأدب ؟
هذا السؤال لا يبدو غريبا عني . ربما وقع توجيهه إلى كل كاتب بغاية الوقوف على الأرضية الملائمة التي تجعل من الشخص كاتبا . قرأت إجابات عديدة لكتاب أوزعوا هذه المسألة إلى أهمية المحيط الأسري الذي كان مشجعا على القراءة والكتابة فمبدعون كثيرون كان الحظ حليفهم منذ البدايات حيث كانوا محاطين برعاية أسرية توفر لهم داخل بيوتهم مناخا يلائم ميولاتهم و يعزز بداخلهم الرغبة في القراءة والكتابة .
ولأكون صادقة مع نفسي ومع من ستتاح له قراءة هذه الاعترافات فأنا لم يتسن لي العيش في مثل هذه الأجواء الثقافية. ولدت بين أحضان أسرة محافظة ترى في الكتاب خاصة بالنسبة إلي كفتاة جريمة « ناعمة « لابد من التصدي لها . لذلك كنت أقرأ خلسة وأكتب خلسة حتى لا يتفطن لي أحد من أفراد عائلتي فأقف أمامهم للاستنطاق كمتهمة . و من ثمة يسلط علي المنع والزجر .
فكم مرة حرمت فيها من كتاب كنت شغوفة بقراءته . هذه الأشياء الغريبة رغم قساوتها كان لها تأثيرها الإيجابي على نفسي المتمردة وأصبحت أستعير كتبا من أصدقائي أو من المكتبة ليصبح الكتاب رفيقي ومؤنسي في خلواتي السرية و شيئا فشيئا أصبحت الكتابة وسيلتي وطريقتي المثلى للخلاص من واقع لا أرتئيه تماما كما تكون جميع المحرمات آسرة ولذيذة .
• في مجمل إصداراتك ما هي أبرز القضايا أو المسائل التي تناولتيها ؟
كتاباتي لصيقة بالواقع وقضاياه الشائكة أستمدها منه وأكتبها بطريقة الحفر والنبش في الخفايا المتسترة عنها لإيماني بأن ميزة الكاتب أو المبدع مقارنة بالأشخاص العاديين تكمن في نظرته المختلفة للأشياء . وأظنني أملك تلك العين الثالثة الراصدة والمنقبة في حقيقة الأشياء وما خفي منها وتلك الأشياء الغامضة أو لنقل المتسترة بغموضها أو بعبارة أكثر دقة ووضوحا ، تلك الأشياء المسكوت عنها التي تغريني بتعقبها وإماطة اللثام عن جوانبها المخفية فأجدني أخوض في التفاصيل الصغيرة التي أسبر من خلالها أغوار الذات وأترجم أحاسيسها وانفعالاتها النفسية بأسلوب يقال بأنه رقيق وشفاف . وربما تلك هي ميزتي في تعاملي مع كل نص أكتبه . لذلك ثمة من يصف كتاباتي الأخيرة بالجريئة او الجريئة جدا في روايتي طيش الاحتمالات و تحديدا في مجموعتي القصصية مواعيد آثمة حيث أثرت قضايا اجتماعية تعتبر من الطابوهات كزنا المحارم وجرائم الاغتصاب والخيانة وغيرها .
• كتبت الشعر والقصة والرواية وقصص الأطفال . فما الأقرب إليك ولماذا ؟
بدأت شاعرة في صفو الكلام محاولتي الشعرية التي صدرت لي سنة 2014 وقد كانت تلك خطوتي الأولى التي تلتها كما أسلفت سابقا خطوات ومنعطفات حيث اتجهت بعدها إلى عالم السرد وكتابة القصة وأظن أن معظم الكتاب كانوا قد بدأوا تجربتهم الأولى بكتابة الشعر إلى حين يتأكد لهم أن الشعر لايمكن أن يستوعب هواجسهم وأفكارهم فيميلون إلى السرد الذي يجدون فيه ضالتهم . وهذا ماحدث معي فقد كنت في بدايات طريقي كمن يبحث عن ذاته وأين يمكن أن يتموقع في خضم بحر الادب العميق إلى أن اهتديت إلى عالمي الحقيقي وهو عالم القصة والرواية ولأنني لم أكن راضية تمام الرضى عن تجربتي الشعرية فإنني أقر بأنني لست بشاعرة وإنما أنا قاصة وكاتبة.
أما عن قصص الأطفال فلا أرى أنه من البساطة كتابة مثل هذا النوع من الأدب رغم علاقتي الوطيدة بعالم الطفل بحكم عملي كمربية لذلك فأنا أتريث كثيرا في كتابة مثل هذا النوع من القصص ولم تصدر لي إلى غاية الساعة غير قصة واحدة وهي « ابنة الشهيد « مع أن لي تجارب قصصية أخرى مازلت أتردد في نشرها .
• في الرواية روايات فهناك التاريخية والخيالية والواقعية وغيرها . فأين يمكن إدراج روايتك المنعطف وطيش الاحتمالات ؟
في أعمالي السردية الثلاثة (أقصد القصة والرواية وقصة الأطفال أيضا) كنت أطرح قضايا اجتماعية تنطلق من الواقع المعيش وأرصدها بعين الكاتبة الثاقبة والمنقبة عن تلك التفاصيل الصغيرة التي قد نتناساها في خضم اهتماماتنا الأخرى . لذلك فإنني أصنف أعمالي ضمن الأدب الواقعي الذي يقدم للقارئ نماذج إنسانية بسيطة قريبة منه ، لصيقة به .
الروائية زهرة الظاهري لـ «المغرب»: كنت أقرأ وأكتب خلسة حتى لا أقف أمام عائلتي للاستنطاق كمتهمة
- بقلم الحبيب بن فضيلة
- 09:58 12/06/2021
- 972 عدد المشاهدات
تكتب الشعر والقصة والرواية وقصص الأطفال وفي رصيدها خمسة إصدارات وهي مجموعة شعرية ومجموعة قصصية وقصة للأطفال وروايتان