الأربعة والجمهور على أنّه يفطر ويقضي، وقد قيّده الأحناف بقيدَين: الأوّل أن يخشى الهلاك على نفسه بغلبة الظن لا بالوهم، أو أن يخاف على نفسه أن يتلف عضو أو حاسة من حواسه أو أن يذهب عقله، والثاني ألّا يكون ذلك الإرهاق قد جاء من إتعاب المرء لنفسه عمدًا، فإن كان ذلك فإنّ الكفّارة تلزمه، وقال بعض الأحناف أنّها لا تلزمه، وأمّا المالكيّة فقالوا إن خشي الصّائم المرهق إرهاقًا شديدًا على نفسه فإنّه يحرُم عليه الصيام؛ لانّ حفظ النفس واجب، وقد ألحق الفقهاء في هذا الباب صيام أصحاب المهن الشاقة وكذا الجنود على الثغور، وفي المسألتين تفاصيل تُنظر في مظانّها.
• الإكراه على الفطر :
مسألة الإكراه على الفطر فيها أقوال عند علماء المذاهب الأربعة، فمذهب الحنفيّة والمالكيّة أنّ من أفطر مُكرهًا يقضي، فقالوا إذا أُكره على الإفطار بالقتل وهو مقيم في بلاده وصحيح ولا يشكو مرضًا فيُرخّص له بالفطر، ولكن الأفضل أن يبقى على صيامه ولو قتل؛ فهو بذلك شهيدٌ إن شاء الله، وأمّا إن كان المُكره مسافرًا أو مريضًا فالأفضل له الإفطار، ولو امتنع وقُتِلَ فهو آثم، وأمّا الشافعية ففصّلوا في المسألة بين الإكراه على الوطء أو الإكراه على الأكل والشرب، فلو أُكره على الأكل والشرب فإنّه يتابع صيامه وصيامه صحيح، أمّا لو أُكره على الوطء زِنًا فإنّه يفطر؛ لأنّ الزّنا لا يُباح بالإكراه، بخلاف وطء الزوجة، وذهب بعض علماء الشافعية إلى أنّ الإكراه على الأكل والشرب ووطء الزوجة لا يفطر مطلقًا ولا يقضي، وإنّما يفطر بالوطء زنًا ويقضي عند بعضهم، واختار هذا الوجه الأخير -أي عدم الفطر بالإكراه على الأكل والشرب والوطء ما عدا الزنا- الفقهاء الحنابلة،.
• الجماع عمدًا:
لقد ذهب جمهور العلماء في هذه المسألة المختارة من عدة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة إلى أنّ الذي يُجامِعُ عامدًا فيجب عليه القضاء والكفّارة، ولكنّ الشّافعيّة رأوا -في أحد أقوالهم- أنّ القضاء لا يجب عليه إذ الخلل قد جُبِرَ بالكفّارة، وأمّا الحنابلة فقد رأوا أنّ الذي يُجامع سواء كان عامدًا أم ساهيًا، مُختارًا أو مُكرهًا، جاهلًا أم خاطئًا فتجب عليه الكفّارة والقضاء، ودليلهم الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- إذ قال: بينما نحنُ جلوسٌ عندَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذ جاءه رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ، هلَكْتُ، قال: "وما لك"؟ قال: وقَعْتُ على امرأتي وأنا صائمٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "هل تجِدُ رقبةً تُعتِقُها"؟ قال: لا، قال: "فهل تستطيعُ أنْ تصومَ شهرينِ مُتتابعينِ"؟ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، قال: "هل تجِدُ إطعامَ ستِّينَ مسكينًا"؟ قال: لا يا رسولَ اللهِ، قال: فسكَت رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال أبو هُرَيرة: بَيْنا نحنُ على ذلك أُتي رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بعَرَقٍ فيه تمرٌ -والعَرَقُ: المِكتَلُ- فقال: "أينَ السَّائلُ آنفًا خُذْ هذا التَّمرَ فتصدَّقْ به"، فقال الرَّجلُ: على أفقرَ مِن أهلي يا رسولَ اللهِ، واللهِ ما بينَ لابَتَيْها -يُريدُ الحَرَّتينِ- أهلُ بيتٍ أفقرُ مِن أهلِ بيتي، قال: فضحِك رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حتَّى بدَتْ أنيابُه ثمَّ قال: "أطعِمْه أهلَك". وأمّا المرأة فإنّها تفطر بالجماع، ولكنّ الخلاف حول وجوب الكفّارة عليها، فمذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي ورواية عند الإمام أحمد -وهو مذهب الحنابلة أنّ عليها كفّارة، وفي قول للإمام الشافعي -وهو الأصح- أنّه لا تجب عليها الكفّارة؛ لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمر الرجل بالكفارة في الحديث السابق ولم يأمر المرأة بشيء، وهذه أيضًا إحدى الروايات عن الإمام أحمد، وفي قول آخر للشافعيّة أنّ الكفّارة تجب على المرأة ويحملها الرجل، وقال ابن عقيل من أئمة الحنابلة أنّ المرأة إن أُكرهت على الجماع ومكّنت الرجل من نفسها فعليها الكفّارة، أمّا لو غُصِبَت أو أُتيت وهي نائمة فلا كفّارة عليها،