ولأننا لا نقرأ سورة بقدر ما نقرأ هذه السورة فإذا قرأت الشيء كثيراً دون أن تهتم به تقلّ فائدته لك ويقل انتفاعك بأنواره ولذلك نقف مع هذه السورة بعض الوقفات: بدأت هذه السورة بقوله تعالى "الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" على خلاف بين العلماء هل البسملة من الفاتحة أم لا ؟ لكن من الفاتحة بالإجماع "الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" وهذه الكلمة سار علماء المسلمين مقتدين بالكتاب العزيز في بدء كتبهم وفي بدء رسائلهم بالبسملة والحمدلة لأن الإنسان يحتاج إلى هذه البسملة استعانة بالله سبحانه وتعالى في كل أموره فإذا أكلت فقل بسم الله وإذا دخلت تقول بسم الله وإذا لبست قل بسم الله وكلما كان العون من الله للعبد كلما كان موفقاً وتيسر له ما كان عسيراً لو لم يُعنه الله سبحانه وتعالى وبالعكس الذي يتخلى عن الله وينسى الله سبحانه وتعالى
فإنه يُحرم التوفيق، قد ينجز العمل في الظاهر لكنه لا يكون موفقاً ولا يكون مقبولاً عند الله سبحانه وتعالى. وكذلك الحمدلة في بداية هذا الكتاب وعلى هذا سار العلماء تذكير للإنسان بالنعمة العظيمة التي عليه وأنت عندما تقرأ الفاتحة وتقول "الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" قد تمر قبلها بمشاكل كثيرة بين الصلاتين، قد يحدث للإنسان حادث، قد يفقد قريباً أو حبيباً أو يكتشف مرضاً خطيراً في جسمه لكنه مع ذلك يقول الحمد لله رب العالمين وعلى العكس قد يمر بأمور طيبة بين الصلاتين، قد يكون هناك فرح قد يرزق مولوداً قد يُرقّى في وظيفته، فيقول الحمد لله رب العالمين فالحمد أمر يستحقه الله سبحانه وتعالى سواء جاءنا منه ما ظاهره شر وسوء أو جاءنا ما ظاهره خير ونعمة فالله سبحانه وتعالى هو المستحق للحمد لأنه رب العالمين
الذي خلقهم ويدبر أمورهم ويملكهم فهو المستحق للحمد سبحانه وتعالى. هذه السورة نزلت في مكة وجاء في الحديث الصحيح في صحيح مسلم أن جبريل كان قاعداً عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمع نقيضاً من فوقه سمع صوتاً فرفع رأسه فقال هذا باب من السماء فُتِح اليوم لم يُفتح قطّ إلا اليوم فنزل منه ملك فقال هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قطّ إلا اليوم، قال فسلّم وقال أبشِر (وهذه البشارة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ابتداء ولنا نحن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم بقدر احتفائنا بهذا الذي بُشّر به النبي صلى الله عليه وسلم) قال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لم تقرأ بحرف منهما إلا أُعطيته. هذا الحديث فيه فضل لخواتيم سورة البقرة ولسورة الفاتحة وسورة البقرة نزلت في
المدينة وسورة الفاتحة نزلت في مكة فقال بعض العلماء إذن نزلت سورة الفاتحة مرتين وهذا يدلّ على عظمتها. نزلت في أول البعثة والمعروف أن أول ما نزل من القرآن الخمس آيات الأولى من سورة العلق "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ «١» خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ «٢» اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ «٣» الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ «٤» عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ «٥» بعدها بأيام كما يحدّث بعض العلماء جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعلّمه الصلاة، هذه ليست الصلوات الخمس التي في ليلة المعراج وإنما قبلها، علمه الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر الإجماع في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلّ صلاة قطّ إلاّ وقرأ فيها فاتحة الكتاب فهذا يعني أن سورة الفاتحة نزلت بعد سورة "اقرأ "وقبل تشريع الصلاة يعني في فترة
مبكرة جداً وخواتيم سورة البقرة نزلت متأخّرة بعد تشريع عدد من الفرائض، فكيف الجمع؟ قال بعضهم أن السورة نزلت مرتين وهذا يدل على أهميتها، وبعض العلماء يقولون نزلت في مكّة ويرجّح هذا وبعض العلماء يقول نزلت في المدينة لكن الراجح أنها نزلت في مكة والقول بأنّه تكرّر نزولها قول له قوة وهو يشعر بأهمية هذه السورة. هذه السورة هي أكثر سورة في القرآن لها أسماء لأن بعض السور في القرآن لها اسم واحد وبعض السور له اسمان أو ثلاثة.
يتبع