الفن الحيّ الذي يسكن قلوب رواده ومحبيه ليصبح منارتهم وقبلتهم كلما ضاقت سبل الجمال والأمل.
في فضاء المركز الوليد، مركز الفنون الركحية والدرامية سليانة كان اللقاء الاول لحصة «قراءات مسرحية» موعد اول مع نص كتب بدم القلب وحب للتاريخ «هلال ونجمة» لسامي النصري كاتبا ومخرجا وقرا النص كل من نور الدين الهمامي وعبد السلام الجمل ومحمد سليمة ولزهر فرحاني وسحر الرياحي وبثينة الطوايبي وقدم اللقاء الباحثة سهام عقيل.
نقد الراهن بالعودة الى التاريخ
«هلال ونجمة» نصّ ثري بالوجع، نص يعود الى تاريخ ثورة 1952 ينقل قصص المناضلين وعمال المينا، نص يرشح بحكايات التونسيين، يقترب من افكارهم وهواجسهم، ينقل الصراع بين السلطة الدينية والمدنية، صراع السياسي والشاعر، صراع لازالنا نعيشه في يومنا الراهن، فالنص الذي انجز في 2010 مازال يصلح لحديث عن الان والهنا اذ لا زلنا تحت وطـأة الشيخ والايديولوجيا الدينية ولازلنا نعايش الصراعات النقابية هكذا قدمت الباحثة سهام عقيل نص هلال ونجمة لصاحبه سامي النصري.
«هلال ونجمة» نص مشحون بالروح الوطنية والفكر النقدي يعود الى البحث في صراعات الحركات العمالية و الصراعات الحزبية والفكرية التي تؤثر حتما على الراهن، بالعودة الى التاريخ ومساءلته يطرح سامي النصري طريقة جديدة لقراءة الواقع من خلال المسرح «المسرح فعل نقدي، المسرح سؤال دائم ومن خلال السؤال والبحث يمكننا معرفة الحقائق التي دونت في الاغنية و الشعر لكنها لم تدون في الكتابات الرسمية، لذلك نعتمد المسرح لطرح السؤال والسير في طريق البحث» حسب تعبير صاحب النص سامي النصري.
بحضور جمهور محترم العدد كان اللقاء، اجتمع الممثلون على حب النص تقاسموا الادوار وقدموا النص بطريقة مسرحية، حضرت الموسيقى كما يتطلب النص واختلفت الاصوات القارئة لتدعو الجمهور للانخراط في السؤال ومعه محاولة النبش في الذاكرة الجماعية شبه المنسية، انطلاقا من فكرة الالتزام بالكلمة وقضيتها، وقد انحاز جميع الممثلين للنص المكتوب وقدموه بكل تلقائية وحرفية، جمعوا الايقاع والارتجال مع القراءة لجلب انتباه الحضور وادماجهم في الجلسة الحوارية النقدية فالمسرح حلقة للنقاش والنقد والتزام بالانسان وقضاياه حسب تعبير نور الدين الهمامي.
المسرح فرصة لطرح السؤال عن الهامش والمهمّش
المسرح مطيتنا للنقد وطرح السؤال، في «هلال ونجمة» حاولنا البحث عن الشخصية التونسية التي كانت محصورة في خانة «الفلكلور»، بحثنا من خلال الاغاني والايقاعات عنها وكان الرهان جمالي وليس بسياسي، في النص الشخصيات الموجودة جزء من المجتمع والهوية الجماعية التونسية اقتربنا منها وانصتنا اليها ونبشنا معها في التاريخ فولد النص مسكون بالسؤال انطلاقا من مبحث انتروبولوجي جمالي.
وتحدث النصري عن النص مشيرا انه نتيجة مختبر عمل جمع الممثلين الذين ساهموا في كتابة المشروع بافكارهم واجسادهم في مرحلة ثانية على الركح، وكان هاجس الجميع تأسيس لغة مسرحية جديدة للعنصر المهمش فينا «وعالفارس الي يصير، جبال كابرة، رواسي راسية، صابرة، متلاحمة، كاتمة السر، غطاء للمكشوف والسبيل، وللي يطوف، يلوج ع الثنايا، والثنايا مسارب، والمسارب مشارب مفرقة، ادلك، تنبيك، عالسالف والتالف، ع المنسي والمنفي».
فالعمل يتنقل جغرافيا الى الكاف والجرداء وقلعة سنان ومنه الى قبائل جلاص والقيروان والحديث عن قفصة ومنجم المتلوي والمظيلة «في ارض سكانها عروش، راحل ومرحول، تنبيك عالفلاحة، عالفلاقة، عالقومية، الكبة خيوط، تتفلت تتمد، من تونس حتى للحد، بر عزيز، زغوان والدة في معطنها، ظلل عالقروان، ثم عروش جلاص، لاحق النجع، عزم، فات مسرب الروحية، تعدى على الدهماني، زدم وين الكاف العالية»، ليكون المسرح وسيلة للحديث عن المهمش في جهات تونس، المهمش الغائب عن النص المسرحي والمشهد السياسي بينما هو الفاعل الاساسي والشرارة الاولى للانتفاضات والتحركات الاحتجاجية منذ 52الى اليوم.
في مسرحية «هلال ونجمة» التي قرأ نصها في لقاءات مسرحية بسليانة وقع الحديث عن العلاقة بين الماضي والحاضر، في النص صراع بين الشاعر و الشيخ وفي تونس الراهن لايزال هذا الصراع قائما بين الفنان والشاعر وممثل السلطة الدينية، النص المكتوب يعيد للكاف وجبالها وينتصر للانسان المهمّش الحالم، نفس هذا الانسان المهمش ضرب بالرش في سليانة من قبل السلطة ولازالت الاحلام تريد البزوغ تماما كاحلام الشاعر في النص.
في «هلال ونجمة» تنتصر الصحفية للحقيقة، وحدها من تتحدى الشيخ وعسكره والنظام وقوته لتصعد الجبل وتبحث عن حقيقة مقتل هلال وغيابه ومنه معرفة حقيقة من استوطنوا الجبل وكأننا بالكاتب يشير الى اهمية الصحفي في كشف الحقائق ومسؤوليته الحقيقية امام مشاكل بلاده ، النص يدعو الصحفي لينحاز للحقيقة والوطن دون خوف من جبروت الشيخ واجهزته القمعية.
ترسيخ ثقافة الفرجة، الهدف الاول لمركز الفنون الركحية بسليانة
«قراءات مسرحية» حلقة مسرحية قارة انطلقت في اول مناسبة لها مع نص «هلال ونجمة» وهي فرصة للقاء والحوار بخصوص نص مسرحي تونسي وفتح باب النقاش مع الجمهور لتعليمه ثقافة الفرجة والتحليل، والقراءات حلقة اخرى لترسيخ ثقافة التحليل التي يسعى اليها مركز الفنون الركحية والدرامية بسليانة الذي يقدم موعدا خاصا بالكتّاب ينشطه الناصر المولهي بعنوان «انا كاتب» وموعد بعنوان «البلكون» المفتوح على الممارسات الفنية الشبابية وموجه لجميع شرائح المجتمع، فاللقاءات المقدمة لبنة لبناء ثقافة الفرجة في مدينة سليانة حسب تعبير صالح الفالح مدير المركز.
بالاضافة الى اللقاءات المفتوحة قدم المركز عمله الاول للاطفال بعنوان «افان» من اخراج شادي الماجري وهم بصدد العمل لتقديم عملهم المسرحي الموجه للكهول.