• إهداء خاص : إلى صديقي الحكيم الشهرزادي الذي لم أصدق بعد رحيله مصطفى كمال فرحات
(1)
يمكنُ لٍيّ أنْ أفْتَتِحَ ورَقتي هذه المتاهية _ اللاّبيراتية عن قصد من « الخاتمة » كما أوصى بذلك في الفلسفة ( لويس آلتوسير ) أو كما يقول الفكر العجول، أو ذاك الذي لم يعد يتَحَمّل الجَمجَمة» في الخطاب : «هات من الأخر» ومن الآخر فليكن أن (لمحمود درويش) سليلة لا شرعية تنكر لأبوتها... ولنصدّق السيدة الأم التي قالت ذالك .. دون ذرة شك . وليكن أن الشاعر الروائي ( سليم بركات ) «خان الماء والملح» يبقى (مَحمود دَرويش) - ابن حُويّة - أكثر الشعراء حضورا وعمقا رغم الرحيل .. ( ابن حورية) كما أحِبّ ويَحُبُّ أن أسميه منذ أول لقاء بمدينتي (قفصة ) وإنْ هو كانَ يتملّكه الخَجل حين أناديه أمام الناس، اسميته كذلك لأنه حين كتب لي اهداء ديوانه الأجدّ حينها « لماذا تركت الحصان وحيدا « كتبه على الصّفحة الأولى من قصيد «تعاليم حورية»، وحين سلمني الديوان ، جَاءتْ اُلْعينُ في اُلْعينُ فرأيتُ في عينيه ألقا ودمْعة مُكابرةً فاتجفتُ... هو شَاعِرٌ عَالميّ بِرهَافتِه اُلْجَمالية لأنّه فَلسطينيّ لم يتَنَكّر لجِلدهِ حِسًّا . عاطفة و ترابا و خيالا ولغةً و-هذا ليسَ اكتِشَافًا عِلميَّا جَديدا أوْ تَدْشينًا «مَا بعد حَداثي» لقارّةٍ لَـمْ يـحْلم بـها اُلْأَوائلُ أصْلاً ولاَ أهْل العَصْرِ . هو شَاعرٌ عالمي لأنّه اُجَترحَ منْ كُلّ جوارحِه مِنَ المحلّ اُلْـمَحَلّي اُلْـجَريـحِ (فلسطين المُحْتلة كُلّ أسباب انتسابهِ الجَماليّ الإبداعي الحضاري إلى الفضاء الكَوْني وتراثه- نثرا وشعرا- إنما هُو فِعلا بِمُنجَزه ذاك إرثٌ _ نفسي_ وتراث حَضَارَة شعبٍ لاَ يصنع ولا يَميلُ ولا يلينُ لغير «الباهي الجميل» و»الباقي الجليل « بكل ما لدية من قوة ومن هشاشة هي ملازمة للوضع الإنسي للإنسان في الوُجود.
(ابن حُوريّة ) الفلسطينية الحُّرة قيمةٌ ومقاما... شخْصَّا ونَصَّا تَغْبطنَا عليهِ إن هيّ لم تكن تَحْسدنا عليه الكثير من الشّعوب التي تقدّر قيمة «الشّعر» و»الجَمال» أو حتّى هي تخافُ منه و تقدّر قيمة التّعَاطف العاطفيّ مَع الشّعوب المَوجوعَة في ذاكرتها العَاطفية كما « الهنود الحُمر» الذين يعتبرون (محمود درويش) «مُناضِلا» منْهم لحْما ودَما وذاكرة مَوشومة «بالألم والأمل» لمقاومة النسيان المَرضيّ لأصْل الوَجيعَة الحَضاريّة التي ألْحقها بهم سلالة «الرّجل الأبيض» المَريض بَعللِ القِنيَةِ والتملّك الإفْتراسِي والانقضاض الإجِرامي «الكِريمينالي» على الكون بِكُلّ مُقدراته ... سوائلا وجَوامدا وحتّى أشِعّة شمسيّة والتصرّف في جغرافيات هي لسواهم كَما يفعل الآن « خُرطوم الفيل الأمريكي» – (ترامب)– الذي هو عارٌ على أحرار العالم والشعب الأمريكي بالذات.
(2)
(محمود درويش) «مثقف» بالمعني الشّامل» وفق اقتراح الرائع ( ادجار موران) ويعني ضمن ما يعني ذالك الذي يراجع « أسلحته النظرية » من أفق نقدي لا يسْلَسُ لمُسْتقَر العادة» فيكسر « زجاجة التقاليد » ان اقتضى الأمر ... والأمر غالبا ما كان يقتضي فكرا وممارسة ومؤسسة ونمط عيش و«نِحلة حياة». ولادة «النص» عندَ( محمود درويش) وئيدةٌ وعَسيرة شَاقةُ تفترض قراءات يجب أن يكون قد تشرّبها معرفة
و خيالا وذاكرة لتمر من «الورقي» إلي الخَلوي منه إلى خلايا نسيج النص كما في قصيد «أوديب» - مثلا - الذي لم يكن اختياره عَفويّا لتلك الواقعة - الحَدث الأسْطوري . قد يكون البحث التّسفَاري عن الحقيقة «عَذْبا» لكنّ الوصول إلى «مَعرفة الحقيقة» دون أقنعة يمْكن أن يكون «مُعذّبا» يذهب بالبَصَر فيُجِهز وان إلى حين على البَصيرة ذاتها كما مَعرفة أن «فلسطين خيانة أروبية» وفق عنوان كتاب سطيفان هسل ورفيقته ) كما معرفة أنّ «كتاب الصداقة» سريعا ما يمكن أن تفعَل فيه الأرَضَةُ فِعلَها فتُتلفه فَيضيع مرة واحدةً وإلى الأبد... أو عله تبقى منه ورقة طائرة لوحدها في الأفق تشهد ببعض «الكدمات العاطفية» التي.. لم ينْجو منْها أحدُ الصّديقينَ مثلا رغم رحيلِ صديقه.. في كتاب الأفق .. (محمود درويش ) شخصا و نصا وفقدان رحيل أبدي بقي «الجُرح النّرجسي» اُلْسّري في روح الشاعر _ الروائي (سليم بركات).
قد تكون «الولادة الحبرية» أهـم من «الولادة الفيزيولوجية». وتكون «الأبوّة الشّعرية» أهم من «الأبوّة اُلْغريزية»، كل الكائنات تقريبا تُنجب ،وليستْ كل الكائناتِ تكتبُ .ومشقة الكتابة الإبداعية أشدّ قَسوةً على القلب والخيال وسائر الأعْضاء من مَشَقّة فعل الإنجاب الذي تسوق فيه ومعه الطبيعة الكائنات الطبيعية لإنجاز أفعالها المرسومة مُسَبّقا في كتابها الوراثي الصّبغي الذي لا خيارَ ولا اُختيار للواحد من الخلق والخلائق فيه...(محمود درويش) من الذين يتَقتلُون كَدْحًــا لنُصوصِهم ويعْنيني حينَ هذا الحينِ أن نصغي إليه في هذا الشّاهد _ الشّهادة المطولة والثمينة وهو «يؤرخ بيداغوجيا» لذاته كتابةً ودَحْضا لتصوّرٍ مُسبق حول «بوهيـميته»... فماذا يقول؟
لكل شاعر عادات أو تقاليد في الانفعال أو في التعبير عن انفعاله بالواقع أو بالحدث، وليس هناك قانون عام. ولكن أنا من الذين يحذرون التعبير السريع عن الحدث، وأيضاً أحذر التعبير السريع عن حالة نفسية ساخنة من جهة أو باردة من جهة أخرى، أحتاج إلى درجة حرارة معينة للكتابة؛ إذا كنتُ غاضباً جداً لا أستطيع أن أكتب، لأنني إذا كتبت سأخطىء، وإذا كنتُ بارداً جداً لا أستطيع أن أكتب لأنه سيكون عديم الإحساس.
طبعاً هذي الملاحظة تأتي نتيجة مراقبة تراكمات التجربة، وأنا عندما أنظر إلى الوراء، لاحظت أنني أكتب في الصباح فعلاً! ولكن لم أخترْ هذه العادة منذ سنين مبكرة. عندما نظرتُ إلى نفسي وجدت أنني فعلاً من عاداتي أن أكتب في الصباح لأنني لا أعرف لأي سبب ما أخاف أن يطول الليل بي وأنا أحب النوم مبكّراً. لا أحب السهر. عكس صورتي البوهيمية لدى الناس.
أما كيف يأتي الشعر؟ من خبرتي أيضاً أقول: إذا كنتُ مُقبلاً على كتابة نص شعري عن تاريخ، يتعامل مع التاريخ، سواء عن المغول أو عن الهنود الحمر أو عن تاريخ نشوء أميركا أو عن أيام العرب الأخيرة في الأندلس، أجري بحثاً تاريخياً كبيراً. قرأت قبل أن أكتب عن الهنود الحمر حوالي عشرين كتاباً من نصوصهم ومن النصوص المكتوبة عنهم، لكي أدخل في نسيجهم الثقافي، وعلاقاتهم بالطبيعة، وتقديسهم للطبيعة وعناصر الطبيعة، والبساطة، ودرست أيضاً آلهتهم، أصغيتُ أيضاً إلى موسيقاهم.
وبعد أن أجريت هذي الدراسة، طبعاً هذا لا يكفي لكي يخرج الشعر، تحتاج إلى شرارة ما، أن تتحول هذي المعرفة والمعلومات إلى صُوّر وإلى بناء، مستويات البناء وعناصره.
ولكن كل هذا لا ينتج شعراً إلا إذا كان دق ناقوس الإيقاع على الموسيقى. عندما تصبح الحالة التاريخية والأفكار والصور .. موسيقى، أضمن أنني سأكتب القصيدة. إذاً أنا تبدأ كتابتي من انفجار الإيقاع». لقد تعمدت هذا الشاهد المطول لأني أعتبره درسا في ما يمكن لي تسميته «بيداغوجيا الذات الكاتبة».
(3)
الأكيد عندي أن كلّ مَا حِيكَ و يُحَاكُ ويُمْكِنُ أنْ يُحاكَ مِنْ سَرديات البَذَاءة للنّيلِ مِنْ قيمة ( ابن حورية جمالية أخلاقية) و-تاليا من الشعب الفلسطيني - ومقامه شخْصًا ونصّا لَنْ يزيدَه إلا حُضورا في اُلْذاكرة العَاطفية، هو العَارف بأسباب الهشاشة ومُتون التشرّد العاطفي وأجندات التشريد النّسقي المُمنهج للفلسطيني ... يعرفُ عَنْ ظهْر قلبٍ وعَقلٍ سبيلَ التّحريرِ والتحرّر الوطني المحلوم به فلسطينيا وعالميا أنّ من شروط إمكانه الأساسية هذا التحرر إنما هو الشرط الجَمالي ، الإبداعي الاستيطيقي كما الشّعر رأسا والشّعرية الحاضرة في سائر الفنون التي وحدها» تـَهْزم الموت» على رأي (محمود درويش) نفسه.
(4)
أنا لسْت غَاضِبَا مِنْ أصْل «اُلحكاية» و هي أن يكون (لحورية) أم (محمود) حفيدة سرية _بل قد فرحت _ .. وأن يكون الشاعر قد تنكّر «للأبوة المقدسة»... وأن يكون الصديق قد أحرق عند ضريح الصديق الراحل «كتاب الصداقة» لم اغضب لأنّ «الغضب غول العقل «كما تقول الأوراق القديمة. الحكاية ؟
وأنا اتصفّح ذاتَ فجر تونسي طائفة من «الحِكم الأمثال» التي اتسلّى بترجَمتها عن الفرنسية. ترجمة «مزاجية»
وان هي تعودُ إلى مُجتمعات وثقافات وأزمنة مُتعدّدة. كما هي ثقافة وذاكرة الشاعر (محمود درويش) (يوناني) عَلى (صيني) على ( كندي) على (ألماني) على ( هندي احمر ).. توقف بصري فجأة عند مثل إفريقي كنت قد ترجمته منذ سنوات. ماذا يقول المثل الإفريقي ؟ وما علة استحضاره هَا هنا الآن؟
يقول المَثل «عنْد طَرفِ اُلْحَبل القَديم اُلْمُتَراشِي نَشْرَعُ في سَرْدِ اُلْحِكَايَةِ». شككتُ أن نعْت «المُتراخي» قد يكون أمتن وأبلغ وأصحّ من «المُتراشي» .لم أحسم الأمر واغلقت المَلف وفي ذهني عبارة كنت اسمعها طفلا في الجنوب التونسي فلان حِبالة راشيةٌ و«فلانة مرخوفةٌ - مُتراخية -يلزمها كبْسة». المُهم أني طُفت أتصفّح ما جاد بهِ من أسميه مازحا «جبريل الرّقمي» ...«جوجل».. «مَلاك الحَساء الافتراضي» وإذا به يحْملني عند صَفحات جَريدة «القدَس العَربي» واستوقفني اسم الشّاعِر (مَحمود درويش) وهو من هوّ في ذاكرتي العاطفية الذي اعرفه شخصا ونصا (سليم بركات) الذي لا أعرفه غير نَص بقيمته الثابتة عندي ومَقامه الحِبري النَادِر الذي أشاد به شعرا ونثرا «صديقه الصدوق» ( محمود درويش). هل تراخى حَبل الصداقة؟ أم طار بكتاب الصداقة الغراب ؟ أم أنها مجرد «سردية لذات نرجسية جريحة» أتاها الشاعر _ الروائي للتداوي من وجعه السري بالإفصاح العَلنيّ عَنْ سرِّ اُلْصدّيق «وهو أنّه أبٌ سِرّي مُتنكّرٌ لأبوّته». يا لهُ من اكتشافٍ حَدث ؟
(5)
أنا أحب « تلويحات» (سليم بركات) القَريبة إلى ذائقتي القِرائيّة والبَعيدةِ عن «الأذن المُحافظة» في جُملهِ بصيّغها المَتاهية تلك التي تَتَطلّبُ أذنا جَديدة لتطرَب بايقعاتها المستحدثة كما تتطلب عينا لقوطا للتّفاصيل المتآلفة والمُتنافرة وفق إيقاع لا يدرك كُنهَه غير من تمرس بمحنة الحرف . المهم أني تركت «الجريدة» ومَضيت أعِدُّ لي قَهوة فرحا مًسبقا «بورقة» (سليم) عن محمود) التي يوحي عنوانها بشيءٍ من «الحَميميّة» وما عرفت عن اسْتحضار بعضهما البعض شعريا لم تكن قهوتي تستجيبُ للشروط» الدّويشية لإعداد قهوته الخُرافيّة «. فتحت الورقة . قرأتـها دُفعَة واحدة مع جرعات قهوتي « الخائبة» وطار بي خَيالي بعيدا.. حولَ قصصٍ لا مبرر لكتابتها .ثم أعدت «القراءة» بتأن . واستوقفني الإشارات النقدية « من مثل قول( سليم بركات).
على أية حال، ليس في اقتدار خيالي عرْضُ محمودٍ على خيالٍ نَقْدٍ فينَّي، مُذْ كان التاريخَ الآخر لي ـ تاريخ الحماسة الأولى إلى قهر الخسارة، وقهر العجز في بلداننا المهزومة. وكان تاريخَ صداقةٍ لم أجد فيها أقرب إليه مني.
كان من حولي في هاتفه، بلا انقطاع. كانت عروضُه مبذولةً لي بلا انقطاع، حتى ظننتُ، أحياناً، أنني ابنُه. قلت هذه شهادة تواصل عاطفي من صديق شاعر لصديق شاعر هو في مقام «الأب الراعي» ويمضي ( بركات) في قراءة صورة تحث الذاكرة . ذاكرته على التذكّر . فلنصغ جيدا:
في صورة لم تجمعنا سواها إلاَّ بعد أكثر من خمس وثلاثين سنة، على أرض السويد، بآلاتِ السِّحْرِ الحديثة استخرجها الجالسون من جيوبهم، في قاعةٍ جمعتْنا بالحاضريْنَ لقاءً شِعراً، ولقاءً حديثاً بَوْحَاً، عن علاقة شاعر بشاعر، أدْمَعَ عينيَّ اعترافاً منْه بوجوديَ في وجوده شاعراً وصديقاً.... آه الاعتراف. أدون هذه العبارة وأمضي ..ثم تتكرر مفردات في «الورقة» تحيل على المعجم الحربي باستحضار الألوان ودلالة الألوان وان هي» قراءة في سيميولوجيا الصورة».
«الصورةُ البياضُ الصُّلحُ أو الهدنةُ، والسوادُ الصلحُ أو الهدنةُ، لن تطلقني من أسْرِ الرماديِّ في اعتناقِ أحدِ اللونين دِيْنَ اللون الآخر رمادياً...» .هل أن «قراءة» الصورة بهذه الطريقة يمكن أن تكون قراءة عَوارضية بين شاعر حاضر ( سليم ) وشاعر غائب ( محمود) وأن ذات السيد الشاعر الحاضر( سليم ) تنوس تأرجحا عاطفيا بين الإعتراف اثباتا للذات بالأخر ومحوه سحقا في آن . كأنما هو يردد لأزمة: «أنا اعرف بكونه موجود» وجوده الذي اعرف ليس هو الذي تعرفون» وأسر لي بما لم يكشفه لسواي.. أنتم لا تعرفون غير : النهاري ... والشمسي من حياته أما أنا فإني أعرفه عن ظهر «عين» و«أذن» في حالات إقامته الليلة ليس على مستوى حياته العاطفية السرية فقط وانما كئلك أيضا على مستوى نمط «اقامتك الشّعرية» وتشكل نصه جينيالوجيا. فليكن أن سردية «بنت محمود» حقيقة واقعية .. ألا يًمكن أن تكون واقعة سردية لا غير. علّ السيد الشاعر ومخاطبه كانا «لا يُميزان بين السّماء والماء» كما تقول الأوراق القديمة ...ولماذا نسلم بوجود» الأم السرية» وبسرديتها ..كونها حبلت منه ...وأنجبت بنتا ؟ ان هاجس «الاعتراف « هو ما يحرّك بوصلة الورقة اكثر من إرادة الإساءة « للشقيق _ الأب الشعري الذي غطت نجوميته الشعرية على بُنوّةٍ تعيش على مُتخيل أنها تجاوزت تلك الأبوة التي ساهمت هي _ «البنوّة»_ في نحتها وصناعتها في السر. الاعتراف . الاعتراف . العطش للاعتراف الذي لا يرتوي. واستحضار مفرادات «الفقد» و«الغياب» دالة .واستحضار «السيرة بالمعية».. أكثر دلالة في ورقة( سليم بركات) «محمود درويش وانا»
تقول «الورقة النؤوم» – كتبت الورقة (تموز (يوليو) 2012)
«قصيدته عنّي «ليس للكردي إلاَّ الريح»، التي حملها من أرضٍ إلى أرض، القاها على مسمعي أيضاً، في السويد ـ اللقاءِ الجديد، الأخير، سنة 2007، بعد آخر لقاء في باريس، مطلع العقد العاشر من القرن الماضي. لم تره عيناي بعد ذا، بل تتبَّعه بصرُ قلبي إلى طُرقات الأبدية مُنعَطفاً بعد مُنعطف، ومحطة بعد محطة، يلقي أشعار المفقوديْنَ في مجاهل السواد الخالد، على مسمع البياض الخالد، كاللونيْنِ في صورتنا الأولى.
كنتُ معه، أبداً، في القصيدة كتبَها عنّي مختلِساً من ظلال المكان القبرصيِّ ما يفصِّله لخياله بَوْحاً. أثَّث بيتي، في القصيدة، ثانيةً،....
(6)
لو كانت ورقة ( سليم بركات ) تمس ( محمود درويش) هل كان الصديق الأخر( لمحمود) سوف يسمح بنشرها واقصد الصديق المشترك (صبحي حديدي ).
هل قصد ( سليم بركات ) الشاعر الحاضر «الإساءة الأخلاقية» المباشرة لصديقه الراحل الغائب _ الحاضر والأكثر حضورا من سواه ( محمود درويش) بافشاء سر أبوته لحفيدة أمّه «حورية» بقيت نكرة ؟
صدقا لا أظن ذلك وان هي قد وفّرت فرصة لأعداء (محمود درويش) للنيل من ذات الشاعر.. صراحة ومن ذات فلسطين الوطن ... ضمنيا لأسباب لا يجهلها إلا الأغبياء. الهجاء كما المديح لا يصنع مجدا وأكثر ،ثمة مديح أمَرّ من الهِجاء ورثاء أشذ من القتل.
كإني اسمع صوت (ابن حورية ) يتردد في أرجاء «المدينة القديمة الازلية» ويردد بصوته الجميل:
...«لقدْ مِتُّ بما فيهِ اُلْكفاية ومَا أسْعدني أن أشْهد هُنا في قفصة_1995_ قصّة ميلادي , لا أعْرف كيف أشكر نقّادي وزملائي الشّعراء الذين يدرّبونني على طريقة جديدة في فهْم نفسي الشعرية ولكنّــني أعْرف كيــْفَ أُحِبّ أهْلَ (قفصة) اُلْتونسية العَربية , لاَ لأنها تكرّمني بلْ لأنها شديدة اُلْوفَاء لذَاكـرتـها للغَتها ولبَحثها عَنْ اُلْشّعْر في الشّعْر ولأنّــها تجيبنَا من جديد و بِطريقتهَا اُلْكريمة اُلْأصيلة عنْ سُؤالينِ يُعذّبان نهاية اُلْقرنِ: هلْ مازالَ اُلْشّعْرُ مُـمْكِـنا؟ هَلْ مَازال الشعر ضروريا»؟
(7)
تبقى غفلة الكبار كبيرة وتبقى ورقة الشاعر الكبير (سليم بركات) الورقة الطائرة من «كتاب الصّداقَة» ويبقى...
محمود درويش ( بن حُورية) الفلسطينية الكَوني
في مقام المُطلق الجَمالي.... عند «مَرقى الغزالة» ..
وسِواه يـَزْحَفُ في «كِتاب اُلْعِلَلٍ». المجد لفلسطين وطن الشّواعر ...
والشعراء ...والوفاء للأوفياء...
كدتُ انسى اني وأنا أُهدي كتابي «كتاب الجراحات والمدارات» (لمحمود درويش ) حين تكريم (قفصة) ، لابن (حورية) الجميل ، «ابن آذار المٌدلل» ، كدتُ آنسى صورة ابنتي الشرعية الوحيدة في الكون ولما سحبتُ الصورة من الكتاب نظر إليها دون أن يسألني تلافيا لإحراجي هو الخجول فقلت له :هذه « دُرّة » ابنتي .فقال لي: « هذه الدّرة أجمل قصيدة ».. ونظر إلى الشاعر المغربي الكبير (محمد بنّيس) وقال له: «هذه المدينة كريمة كما هي تونس» فهل من يعتبر «البنت» أجمل قصيدة... يمكن أن يتنكّـــر لسليلته الحقيقية
أو حتى « الـــمُتَخيّلَــةُ » في سَرْدية حِكايةٍ ...الصّديق عن صَديقه ..
(8)
ما أجمل الصّداقة،
ما أصعب الصّداقة ...
هل مازالت الصداقة ممكنة ؟
هل مازالت الصداقة ضرورية
في الأزمنةِ اُلْـمتَصاعبة عَلى الجميع... أفرادا ،
شعوبا وأوطانا..؟
(9)
ثم انظر في ساعَةِ اليدِ
«مازال ثمّةَ وقتٌ لأقرأ.
اقرأ فصلا ( لدانتي) ونِصفَ مُعلقةٍ
وأرى كيفَ تذهبُ مني حَياتيَ
إلى الآخرينَ ، ولا أتساءلُ عَمّن
سَيملأُ نُقصَانها»
هكذا كان السيد الشاعر قد كتب
واكثر لقد آثر لنفسه «أثر الفراشة» و«مقام الحجر»
لا احن إلى أي شيء
فلا أمس يمضي، ولا الغد يأتي
ولا حاضر يتقدم أو يتراجع
لا شيء يحدث لي !
ليتني حجر _ قلت _ يا ليتني
حجر ما ليصقلني الماء
(...)
يا ليتني حجر
(...)
كي أحنّ إلى أيّ شيء
ومن الآخر. ما حاجة السيد الشاعر معرفة ما حدث «لكتاب الصداقة» هو الذي تقمص «لوعة» أوديب الضائع في مَتاهة النسب والانتساب بين «الاب» و«الام» و«البنت» ومن بعده «انكيدو» الجريح لغياب رفيق الطريق... الذي اختطفه الموت ..
ما حاجتي للمعرفة ؟
لم ينجُ منِّي طائرٌ أو ساحرٌ أو إمرأهْ.
العرش خاتمةُ المطافِ، ولا ضفافَ لقُوَّتي
ومشيئتي قَدَرٌ. صنعتُ أُلوهتي
بيدي، وإلهةُ القطيع مُزَيَّفهْ.
ما حاجتي للمعرفهْ؟»
ومن آخر الآخر ما أبلغ ما اُجْترحَت أناملُ
(الفخر الرازي) منذُ قُرونٍ وقُرونٍ
« وكَـمْ منْ جِبالٍ قدْ عَلَت شُرفاتـها
رجالٌ فَزالوا واُلْجبالُ جِبالٌ»