وسائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس فحسب، وإنّما أن نحفظ جوارحنا عن جميع المحرمات الحسية والمعنوية.
فيصوم البطن عن إدخال الحرام إليه. وتصوم اليدان عن المعاصي فلا تبطش ولا تسرق ولا تضرب.وتصوم الرجلان عن المشي إلى أماكن الفواحش. ويصوم اللسان عن الكذب وقول الزور، والنميمة والغيبة، والسبّ وعن كل كلام قبيح.
وتصوم الأذنان عن سماع كل ما يغضب الرحمن. وتصوم العينان عن النظر إلى العورات والمحرمات.ويصوم الأنف، فلا يُشتمَّ به ما حرم الله من المخدرات وغيرها .وهكذا كل الجوارح والأعضاء.
ولكن البعض من الناس يمتنعون عن الطعام والشراب في نهار رمضان، ولا تجدهم يمنعوا جوارحهم من الخوض فيما يُجرح الصيام، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يومُ صومِ أحدِكُم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتَلَهُ فلْيقلْ: إنِّي امْرُؤٌ صائمٌ»، وقال: «مَن لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ به والجهلَ فليس للهِ حاجةٌ في أنْ يدَعَ طعامَه وشرابَه»، و «قول الزورِ» هو: كل قول محرم، و»العمل بِه» كل عملٍ محرم، و»الجهل» هو: كل عدوان على الناس، فالذي لا يترك هذه الأشياء لم يصم حقيقة، فهو قد صام عما أحل الله، ولكنه فعل ما حرم الله.
الوقفة الثالثة: المحافظة على الصلاة وإعمار المساجد، قال ربنا: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ»التوبة: 18، وليس المقصود بإعمار المساجد، بناؤها فقط، وإنما إعمارها بملئها أثناء الصلوات، ودوامِ ارتيادها، واحترامِها وتوقيرها، فالمساجد بيوت الله، وبيوت الله أحق البيوت بالاحترام والتوقير.
الوقفة الرابعة: اغتنام الوقت وخاصة في هذا الشهر المبارك: فواجب الإنسان تجاه وقته أن يحافظ عليه، وأن يَحرِص على الاستفادة منه فيما ينفعه في سائر أحواله وأموره.
على المسلم أن يُنفق وقته إما في فرض يؤدِّيه، أو حق وواجب يقضيه، أو في تربية أبنائه ورعاية أهل بيته، أو علم يتعلمه، أو خير يفعله، أو مريض يعوده، أو رحم يصله، أو صديقٍ يزوره، متمثلا في ذلك أخلاقَ الصالحين الذين أثنى الله عليهم بقوله» إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ « الأنبياء: 90.
وخيرُ من نتأَسى به في اغتنام الأوقات هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يعرف قيمة الوقت وحقه، فكان يقوم بواجباته تجاه ربه وتجاه نفسه وأُسرته ومجتمعه وأصحابه، وما عرف الكسل أَوِ الملل طريقا إليهِ، ففي ثلاثةٍ وعشرينَ عاما بلّغ رسالةً وبنى حضارة للإنسانية جمعاء، لم يشهد التاريخ لها مثيلا.