القرآنيات: من بصائر القرآن (3)

الموضع السابع: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} (النور:61)، والإنسان إذا دخل على بيت أحد من الناس فإنه

يسلم على أهلها، وليس على نفسه، فقد قال الله في بداية الآية: {لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} (النور:27)، فقد جعل الله أهل البيوت بمثابة الأنفس، وقد روى الطبري عن الحسن وابن زيد في قوله تعالى: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} قال: «إذا دخل المسلِّمُ سُلِّم عليه، كمثل قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} إنما هو: لا تقتل أخاك المسلم.
الموضع الثامن: {ولا تلمزوا أنفسكم} (الحجرات:11)، والإنسان عندما يلمز لا يمكن أن يلمز نفسه، إنما يلمز غيره، إلا أن الله جعل الغير بمثابة النفس، قال الطبري: «ولا يغتب بعضكم بعضاً أيها المؤمنون، ولا يطعن بعضكم على بعض...فجعل اللامز أخاه لامزاً نفسه؛ لأن المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره، وطلب صلاحه، ومحبته الخير»، وقال القرطبي: «(اللمز) باليد والعين واللسان والإشارة. و(الهمز) لا يكون إلا باللسان، وهذه الآية مثل قوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} (النساء:29)، أي: لا يقتل بعضكم بعضاً؛ لأن المؤمنين كنفسٍ واحدة، فكأنه بقتل أخيه قاتلٌ نفسه...والمعنى: لا يعب بعضكم بعضاً...وفي قوله: {أنفسكم} تنبيه على أن العاقل لا يعيب نفسه، فلا ينبغي أن يعيب غيره؛ لأنه كنفسه».

فانظر لهذه الجوهرة القرآنية الفريدة: الأخ المسلم هو النفس، ولاحظ الفرق عندما تقول: أنت أخي أو عندما تشعر أنه نفسك التي بين جنبيك، «فما أبلغ هذا الإيجاز! وما أجدر هذه الكلمة بوصف الإعجاز!». ويا لروعة البناء القرآني لعلاقة المسلم بأخيه المسلم! فمن يحيي هذا المنهج القرآني في هذه الأيام بين الأفراد والجماعات والقبائل والأحزاب والدول؟
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا وفصله في قوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم، وقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري، أي: كما تحب لنفسك ينبغي أن تحب لأخيك. فأنت إذا أحببت لنفسك الولد والسيارة والزوجة والعيش الكريم، كذلك يجب أن تحب لأخيك.

تنبيه: من أهم مقتضيات هذه الكلمة أن يحب الإنسان لأخيه الخير الدائم في الدين والدنيا؛ لأن حقيقة ذلك أنه يحبه لنفسه، ومن أعظم الخير نصحه ومعاتبته ومراجعته ليرجع إلى الخير، الذي يفترض أن يكون حياته ودأبه، وليس النصح طعناً بأي حال من الأحوال، وهذا النصح قد يتخذ شكلاً سريًّا ما دام الخلل فرديًّا، وقد يتخذ طابعاً علنيًّا، إذا اقتضت المصلحة الشرعية ذلك، كأن يكون الخلل فرديًّا، ولكنه خلل علني تقتضي المصلحة إصلاحه علناً، أو كان الخلل جماعيًّا معلناً، فإن المصلحة تقتضي العلنية غالباً، وقد يتخذ النصح والمعاتبة طريقاً لطيفاً رفيقاً، وهو الغالب في الأسلوب الإسلامي، ولكنه أيضاً قد يتخذ طابعاً فيه شدة مناسبة لمقتضى الحال، حيث لا يتم الارعواء والانزجار إلا به، والتفريق بين هذه الأنواع مفصلة في غير هذا المكان، والموفق فيه من رسخ علمه، وعلا خلقه، وصدقت عاطفته، ووفقه الله فأحبه. اللهم اجعلنا من الموفقين من أوليائك بفضلك ورحمتك.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115