مَن ناله داءٌ دوٍ بذنوبه فليأتي من رمضان باب طبيبه
فخلوف هذا الصوم يا قوم اعلموا أشهى من المسك السحيق وطيبه
أوَ ليس هذا القول قول مليككم الصوم لي وأنا الذي أجزي به
كيف لا يفرح المسلم ويشتاق ويستبشر ويرتق بشهر الرحمة والمغفرة والعِتاق
أتى شهر السعد والمكرمات فحيّه في أجمل الذكرياتِ
يا موسم الغفران أتحفتنا أنت المُنى يا زمن الصالحاتِ
وفي صحيح السُنة: «رغم أنفُ ثم رغم أنفُ ثم رغم أنف مَن دخل عليه رمضان فلم يُغفر له»، وقد جاءت المغفرة في شهر المغفرة في ثلاث مواطن مُدخرة فمَن صامه وقام ليلة القدر؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، فإذا المرء لم يتعرض المغفرة والاستغفار والتوبة في شهر الغفران والأوبة، فمتى قل لي بربك تكون له عودة وتوبةٌ صادقةٌ وأوبة فتعرض لمغفرة الزلات والتوبة مما اقترفته من السيئات في الأيام الماضيات.
كيف لا يُبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يُبشر المُذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يُبشر المؤمن العاقل لوقتٍ يُغلّ فيه الشيطان من أين يُشبه هذا الزمان زمان! وقد كان ولد عدنان يُعلنها مُدوية في الأذهان وتُجلجل في المسامع والأذان كما روى الشيخان: «إذا دخل رمضان فُتِحت أبواب الجنان، وغلقت أبواب النار، وصُفدت الشياطين»، من أعظم البشائر فتح أبواب الجنان لمُبتغي المنازل والمفاخر، ومن أعظم البشائر فتح أبواب الرحمات والنفحات والبركات فما موقف المؤمن الصادق إلا السعي والفرح والبذل المُبادر.
أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفسادِ
فأدي حقوقه قولاً وفعلاً وزادك فاتخذه للمعادِ
فمَن زرع الحبوب وما سقاها تأوه نادمًا يوم الحصادِ
فأتى رمضان ليفتح أبواب السنابل والرحمات والانتصارات على كل عدوٍ صائل وينشر التفاؤل وحسن الظن المُتبادل «إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»الأعراف:56.
رمضان يُخاطبك: أنا شهر المغفرة وأنا شهر الرحمة وأنا شهر لين القلوب وسلامة الصدور ونقاء العيوب، جاء رمضان ليقول للكون وما فيه: أنا شهر العتق من النار فهل تعرضت لما يوجب عِتقك ونجاتك من النار وغضب الجبار؟ جاء رمضان ليُضعف الشهوات الجسمانية والخطرات الشيطانية والنزوات الخيالية، كيف لا يفرح المؤمن بحلول موسمٍ عليه يكون سبب نجاته وعتاقه وسلامته من أعدائه.
من نفحات شهر البركات: توحيد التلاحم والاجتماعات وتقوية الصلات وشد عُرى التماسك والعلاقات بين أطياف وأطراف المجتمعات فأتى ليُحقق «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» الحجرات:10 ، فضمائر الجمع «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» البقرة:21]، «وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» البقرة:185، ويُذكر المسلم بإخوانه المسلمين الذين حلت بهم الفتن والمِحن وتسلط عليهم العدو الغاشم، ونزلت بهم النكبات والتشريد والضياع والقسوة والتعذيب والانصياع، وما يحصل من التفككات والاختلافات والنزاعات والشقاقات؛
فحين نرى رمضان فرصة للتغيير والإقبال على العليم الخبير وتوحيد الصف وجمع الشمل ونبذ الخلاف والتغاضي عن الزلات والعفو عن الهفوات فتلك وربي من نفحات شهر الرحمات.
ومن النفحات في شهر الرحمات: أن رمضان زمن الراحة النفسية والحياة الطيبة والسعادة المستقرة والنفوس المطمئنة والأجواء الإيمانية والنسمات الربانية والهبات الإلهية والواحات الروحانية، فالصائم عليه السمت ويلزم السكوت والصمت، إن سبه أحد أو خاصمه فشعاره: إني صائم، فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل ولا يغتر ولا يغضب، بل يعيش حياة
طالما فقدها أو بحث عنها فلم يجدها ولسان حاله:
مرحبًا أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيبًا زارنا في كل عام
قد لاقينا بحبٍ مُفعمٍ كل حبٍ في سوى المولى حرام
لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلقٌ أسهرنا جُنح الظلام
فاقبل اللهم ربي صومنا ثم زدنا من عطاياك الجِثام
ولهذا تجد الفرق الشاسع مع النفس والأولاد والأُسر والأحفاد بل مع التواصلات الاجتماعية والتقنيات الحديثة العنكبوتية كيف حالنا معها في غير رمضان عناءٌ وتعب وشقاءٌ ونصَّب وفي رمضان راحةٌ وأدب وسكونٌ ورغب.
وحافظ على شهر الصيام فإنه لخامس أركان لدين محمدِ
تُغلق أبواب الجحيم إذا أتى وتُفتح أبواب الجنان لعُبَدِ
تُزخرف جنات النعيم وحورها لأهل الرضا فيه وأهل التعبدِ
وقد خصه الله العظيم بليلةٍ على ألف شهرٍ فُضلت فلتُرصدِ
فأرغم بأنف القاطع الشهر غافلًا وأعظم بأجر المخلص المتعبدِ
فقم ليله واطو نهارك صائمًا وصُم صومه عن كل موهن ومُفسدِ