الرمضانيّات: العلاقة بين الصيام والقرآن

العلاقة وطيدة بين الصيام و القرآن، فالله -سبحانه وتعالى- قال «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» سورة البقرة: 185 وقال صلّى الله عليه وسلّم

«الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ» أحمد (6626) والآيات والأحاديث كثيرة. فما هي ملامح هذه العلاقة ؟

القرآن هو المنهج والدستور، والهادي إلى صراط الله المستقيم، فيه صلاح الفرد، وصلاح المجتمع، بل وصلاح الكون كلّه، وما ضلت الأمة وذلت إلا بالتخلي عن القرآن، والله -سبحانه وتعالى- جعل فيه الهدى للناس جميعاً، كما قال «الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ» سورة البقرة:185 ولكن جعل فيه الفلاح لفئة معينة؛ كما قال في أول سورة البقرة «أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»الآية 5 والفلاح غير النجاح، لأنّ الفلاح في الدنيا والآخرة، فسعادة في الدنيا، وفوز بالجنّة في الآخرة،.

ولكن حتى نكون من المفلحين هؤلاء، هناك صفات يجب أن نتحلى بها، ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في الآيات السابقة لهذه الآية، وهذه الصفات هي «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ   وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ» سورة البقرة:3 - 4.
الإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، والإنفاق، والإيمان بالقرآن، والكتب السابقة، والإيمان باليوم الآخر.

وهذه الصفات جميعها يدربنا عليها الصيام، فأهمّ صفة يدربنا عليها أن نكون من المخلصين، فلا يستطيع صائم أن يأكل أو يشرب، حتى ولو غاب عن أعين الناس؛ لأنّه يعلم أن الله يراقبه، والإخلاص هذا يقوّي إيماننا بالغيب، وما عند الله من ثواب وعقاب، ويقوي إيماننا باليوم الآخر، كذلك يدربنا الصيام على إقامة الصلاة، فنجد أن ثواب الفريضة يتضاعف، وأيضاً ثواب النافلة، فنجد الناس مقبلين على الصلاة، وعلى بيوت الله بشكل غير مسبوق، وغير معهود.

وفى آية الصيام نلاحظ أن الله قال «كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ» البقرة:183 وهذا يعني: أن الصائمين لديهم إيمان كامل بما أنزل الله من كتب سابقة على الأنبياء والمرسلين من قبل، ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دلنا على أن نكون من المنفقين في هذا الشهر، فكان أجود الناس -عليه الصلاة والسلام-، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، وأيضاً فريضة زكاة الفطر؛ التي لا يكتمل الصيام إلاّ بها، وكذلك الحث على إفطار المسلمين، كل هذا تدريب على الإنفاق.

والإنفاق ليس مقصوراً على المال، كما يفهمه كثير من الناس، بل كل ما رزقك الله إياه من مال، وعلم، ووقت، وصحة، وكماليات الحياة، يستحب أن تنفق منها، وهذا بخلاف الزكاة المفروضة.

وقد وضع الله شروطاً للاستفادة من القرآن الكريم، هذه الشروط جميعها يدربنا عليها الصيام، وخاصة إذا ما كان إيماناً واحتساباً لله -عز وجل-، وحينما نقرأ الآية السابقة لهذه الصفات نجد الله يقول» ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ» البقرة:2 وعندما فرض الله علينا الصيام قال سبحانه» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» البقرة:183 فالهدف من الصيام أن نحقق التقوى، ونحقق التقوى لنكون على هدى من القرآن الكريم، ونكون على هدى لنكون على الصراط المستقيم، ونسير على الصراط المستقيم ليكون قلباً سليماً خالياً من الأمراض؛ وبذلك نصل إلى القلب السليم، وقد قال الله: يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ   إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» الشعراء:87 - 88.
فَأَقْبِلُوا على شهر رمضان بروح جديدة، وبقلب مستعد للتغيير والإصلاح؛ ليستفيد من نفحات الله في هذا الشهر، ولتكن قراءتنا للقرآن قراءة تدبّر، لا قراءة تسارع في ختم القرآن، ولنعاهد الله في هذا الشهر أن نستقيم، وأن نكون من عباده الصالحين، لعل الله أن ينظر إلى صدورنا، فيشرحها للإسلام والهداية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115