جديد المركز الدولي للفن المعاصر بالقصرين «مريض» لوليد الخضراوي: الفن رسالة نبيلة الفن فعل مقاومة

يخوض الممثلان وليد الخضراوي وبلقاسم عزديني تجربة مسرحية جديدة، تجربة اخرى تضاف للمشهد المسرحي المشاكس في القصرين وتونس عموما،

في القصرين تولد الأفكار المشاكسة والرؤى المتمردة وفي المركز الدولي للفن المعاصر منذ بداياته وهم يقدمون أعمالا مسرحية ناقدة، أعمال تعبر عن وجع الوطن وتنقد السياسات الاجتماعية والثقافية في مدينة عرفت بثورة ابنائها ومبدعيها مدينة تواجه الفكر المتطرف وينشد أبناؤها ثقافة الحياة بالفن.
«مريض» عرض مسرحي راقص جديد، العرض صامت دون كلمات فقط الجسد يصنع الحكاية ويكتب وجع الفنان وأحلامه، «مريض» مقتبس عن «فصل بلا كلمات» لبيكيت و إخراج وتمثيل لوليد الخضراوي وتمثيل وتحريك العرائس بلقاسم عزديني و مصمم الإضاءة عبد القادر الهرماسي وصنع العرائس الراحل سمير بسباس والعرض من إنتاج المركز الدولي للفنون المعاصرة بالقصرين وبدعم من المركز الثقافي الدولي بالحمامات ومشروع تفنن.

يتشابه وجع الشخص والشخصية
تغيب الكلمات، وحده الجسد يتحمل مسؤولية نقل الحكاية الى الجمهور، الجسد صحبة الماريونات يشكلان إلياذة فنية مبهرة، دون كلمات سيتحرك الجسد، يرقص ويصرخ، يعبر عن الخوف والفرح، يكتب تفاصيل الجمال ويشاكس المتفرج ويشاكس الواقع بالرقص فلغة الجسد لغة صادقة قادرة على اختراق قلب المتفرج وشد انتباهه ودفعه للسؤال والحيرة.
في «مريض» صراع بين الحياة والموت، صراع بين الموجود والمنشود، إذ «يلقى برجل إلى وسط الرّكح متكورا ينفض الغبار عن نفسه و يبحث عن جرة الماء ليشرب منها،وبعد محاولات عديدة باستعمال عدة أغراض ( صندوق كبير ،متوسط،صغير،طاولة،) لا فائدة من المحاولات» هنا تحضر فكرة عبثية الحياة التي تجعل من الرجل ضحية للقدر، ليستسلم في النهاية قبل أن تنزل إليه جرة وينسكب منها الماء.

هذه الرحلة بين الحياة والموت هي رحلة المسرحي وليد الخضراوي والممثل بلقاسم عزديني في المسرح، رحلة فنانين يحاولان بعث الحياة في الجمهور وفي مدينتهما، فنان آمنا أن المسرح فكرة ثائرة قادرة على جعل الطفل إنسانا مستقيما، رحلة موجعة وموهنة انطلق فيها المبدعان منذ عدة أعوام ورحلتهما الواقعية تتشابه كثيرا مع رحلة الرجل المريض في نص بيكيت.

عمل صامت، مسرحية تكون الأولوية فيها للجسد وللماريونات، يتحدان ليكتبا قصة العرض، في العمل المسرحي الجديد تغيب الأحداث في «مريض» مثلما تغيب اللغة، مثلما تغيب الحركة أحيانا، البداية هي نفسها، بحيث يفتتح الممثل الراقص المسرحية بكلمة «أغنية» وهي عبارة عن صوت حزين لمعاناته المتواصلة، معاناة ربما لن تنتهي أبدا وربما هي على وشك

النهاية» زينة الركح حبيبات الرمل المتناثرة وهي الأخرى لها دلالة العدمية والجمود والثبات، وفي محيط العدمية التي يعيشها المسرحي التونسي والجمود الفكري الذي يعيشه المجتمع أحيانا وثبات المسؤولين وعدم قدرتهم على اتخاذ قرارات تلائم الفنان والإبداع يدور فلك العمل الكوريغرافي.

المسرح شحنة امل تحاكي وجع الفنان
وعن «مريض» يقول وليد الخضراوي «هو الوحيد الذي يمكنه أن يتسلّق السلّم ويصوّب المنظار من النافذة إلى عالم خارجي تفوح منه رائحة الخوف والموت. ومع أنه ليس الوحيد القادر على المشي والحركة...فهناك ظله يترقبه ...، حتى يغدو هو الآخر عاجزاً عن التحرّك نحو «خارج» يفكر به ليل نهار».
وبين الشخص والشخصية تشابه كثير، بين ما يقدم على الرّكح وما يعيشه الانسان اليوم جانب كبير من التشابه.

فمع مشاهدة «مريض» وكمّ الوجع المنقول على الركح، لك أن تتصور حالة البؤس التي تعيشها الشخصية، هذا هو بؤس الانسان ووحدته وعجزه عن فهم حياة يعيش فيها من غير أن يتحكم بسيرورتها، أو حتى إيقاعها، كأنّ الانسان يولد لينتظر مصيرا محتوما لا مهرب منه هو «الموت» ومن هذه الفكرة يُمكن اعتبار «فصل بلا كلمات» بمثابة مرآة تعكس الوجودية الإنسانية بعبثيتها وغرائبيتها ومأسويتها كما جاء في الملف الفني للعمل.

«مريض» تجربة كوريغرافية جديدة يخوض غمارها الفنان وليد الخضراوي صحبة رفيق الفكرة بلقاسم عزديني، وكلاهما ومنذ سنين يحاول أن يصنع فعلا فنيا مختلفا، فعل فني حقيقي ينحاز للإنسان ويحطم المنظومة القديمة والمستهلكة من حيث النص أو طريقة الأداء وكذلك الجمهور المستهدف، تجربة أخرى تنطلق من نص لمسرحي عرف بثورته على السائد أيضا هو «صامويل بيكيت».

إذ يثور مسرح «بيكيت» على أسس المسرح الكلاسيكي وقواعده، و»هذا ما نلحظه في «نهاية اللعبة» بحيث لا تقوم المسرحية على مقدمة ولا عقدة ولا أحداث، إنّما تعتمد على الكلام أو بالأحرى الثرثرة التي تأخذ مكان الفعل أو العكس تماما كما هو في مسرحيتنا الصامتة « كما يقول مخرج العمل، أمّا اللغة التي يتشكّل منها هذا النصّ البيكيتي البديع، فتتمرّد على دورها الأصلي لتمثّل الصمت بدلاً من التعبير، والتقاطع بدلاً من التواصل، والهدم بدلاً من البناء. إنها لغة تُؤثر المحو على الكلام، كونها تتحوّل مع بيكيت من أداة تواصل إلى انفصال يُعمّق عزلة الشخصيات داخل مكانها المُغلق وتلك العزلة التي يعايشها بيكيت هي عزلة الفنان المسرحي في مجتمعه ومنظومته، عزلة من يحاول تحطيم القوالب الجاهزة وتأسيس فعل مسرحي وثقافي ثائر ينحاز للإنسان وقضاياه ويدعم فكرة لا مركزية الفعل الثقافي كما هو الشأن مع المركز الدولي للفنون المعاصرة بالقصرين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115