تلك هي بعض خصائص كتاب : «تونس وعوامل القلق العربي» للأستاذ الشاذلي القليبي الصادر مؤخرا عن دار الجنوب في طبعة انيقة تضمنت 210 صفحات وفي هذا الكتاب ستة أبواب وهي على التوالي : من وحي أيام الثورة – وجوه من الإرث البورقيبي- الإسلام في مواجهة العصر:هل مازلنا امة ؟ - التكامل العربي والقضية الفلسطينية – من عوامل استقامة الحضارة – في السياق البورقيبي.
وفي كل باب مجموعة من الفصول كما تضمن الكتاب مجموعة من الصور التي تؤرخ لمسيرة المؤلف فيما كانت بداية هذا التأليف حافلة بنصين الأول هو توطئة جاءت بقلم الاستاذ والشاعر الكبير عبد العزيز قاسم والثاني بقلم المؤلف وعنوانه. لماذا هذا الكتاب خاصة ان الأستاذ الشاذلي القليبي سبق له ان اصدر جملة من الكتب نذكر منها «السلام العنيف» وكتاب «الحبيب بورقيبة» أضواء من الذاكرة» وغيرها ذلك انه يكتب بالعربية وبالفرنسية.
في الفصل الافتتاحي للكتاب والذي جاء تحت عنوان (لماذا هذا الكتاب ؟) أشار المؤلف الى انه سيبحث في الأسباب التي كانت وراء اندفاع فئات كثيرة من مجتمعاتنا العربية الى سلوك منقوص يتمثل في التركيز على العبادات دون الذي كان ينبغي ان يصاحبها دوما من مكارم بها كان للأمة الإسلامية إشراق تميزت به عن سائر الامم في عصرها الأول ..اندفاع أفضى بها إلى التقهقر والانحطاط والسبب في ذلك حسب الأستاذ الشاذلي القليبي هو المبالغة في الاهتمام بالدراسات الدينية وإهمال العلوم التي لها القدرة على تنمية طاقات المجتمع وهو ما جعل ثقافتنا تفقد شمولية أجيال متتالية في الدراسات الدينية وبعض مكملاتها من أدب ولغة ومنطق.
أما الأستاذ والشاعر عبد العزيز قاسم فقد اشار في تقديمه لهذا الكتاب إلى أن الأستاذ الشاذلي القليبي من كبار المفكرين العرب وهو رجل الدولة المرموق والوزير المؤسس لوزارة الشؤون الثقافية وزير الإعلام وقد اضطلع ما يزيد عن العقد- بكفاءة عالية- بمسؤوليات الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في مرحلة من أصعب مراحلها ولا أريد تلخيص هذا الكتاب (تونس وعوامل القلق العربي) تاركا للقارئ حرية اكتشاف محاوره التي تعطي كامل مساحة القلق العربي في زمن الضياع كما تفتح أبواب الخروج السليم الى المستقبل .
هذا الكتاب كما لو انه وضع للتو لان تونس اليوم وأمام الأزمة الليبية تعيش القلق اكثر من بقية البلدان العربية ولئن كانت عوامل القلق أساسها الحرب القائمة والحرب المنتظرة بدخول دواعش النظام التركي الى ساحة المعارك على تخوم بلادنا..وان ما يجري في سوريا واليمن والعراق ولبنان وليبيا والجزائر مرده الى ان المجتمعات كانت في حاجة الى ثورة ولكن هناك مخاطر تترصد الثورة وقد أطنب المؤلف في تحليل الاسباب والنتائج وانه لابد لمجتمعاتنا جميعا مشرقا ومغربا ان تجعل دولها في تسوية أوضاعها تركن دوما الى منطق الحوار من خلال ما تتيحه منظماتها القومية والجهوية من أدوات تساعد على احتواء القضايا الخلافية «
وفي الباب الثاني (وجوه من الإرث البورقيبي) تناول المؤلف مسائل متعددة ذات علاقة على غرار: العمل الثقافي وتطوير المجتمع ثم الارث البورقيبي والمعاني الضرورية لاستقامة المجتمع وكذلك الثقافة والحضارة في نظر بورقيبة الذي بفضل ثقافته وشغفه بالأدب العربي واطلاعه الواسع على الآداب الإنسانية عامة كان يعلم ان منزلة المجتمعات في التاريخ إنما هي بالق أدبائها وشعرائها لا بشيوخ الدين ودعاة الفقه كما لم يغفل الشاعر احمد اللغماني ودور استاذنا في كلية الأدب 9 افريل في الثمانينات فاضل الجمالي (رحمه الله) الذي لعب دورا مهما أيام كان وزيرا للخارجية العراقية زمن الملك في دعم القضية الوطنية التونسية ضد الاستعمار الفرنسي ولما حكم عليه بالإعدام أنقذه بورقيبة ومنحه الجنسية التونسية ليقضي نصف عمره في تونس ويدفن فيها ولم يتاجر به كما فعل الاسلاميون بالوزير الليبي بغدادي المحمودي ايام الثورة .
ويشير الأستاذ الشاذلي القليبي إلى ان تنطع بعض القيادات السياسية عن الجادة انجر عنه اهتزاز أوضاع أمنية واختلال شؤون اقتصادية وفساد تصرفات إدارية يوشك تراكم كل ذلك ان يجهض مكاسب الثورة
خلاصة القول هذا الكتاب لرجل محنك أدبيا وسياسيا فيه كثير من الصدق والعقلانية والتحليل المتميز بالموضوعية على عكس أدب السجون الذي ظهر بعد الثورة بكل ما فيه من رياء ونفاق ومغالطات للحقيقة والواقع بعد ما حصلوا عليه من غنائم من المال العام .
إصدارات: تونس وعوامل القلق العربي للاستاذ الشاذلي القليبي: تونس والقلق المتفاقم قبل الثورة وبعدها
- بقلم الحبيب بن فضيلة
- 10:49 08/01/2020
- 1913 عدد المشاهدات
الاحداث كثيرة والتفاصيل دقيقة والتحليل عميق ودقيق واللغة في غاية المتانة والاسلوب جذاب فيه نفس قصصي بل روائي ممتع يشد اليه القارئ شدا ..