عليه الصلاة والسلام، كانَ عَرَبُ الجاهليةِ في بؤس شديدٍ وضيقٍ من العيش، يَمْتَصّون نَوى التمر، ويَأكلون المَيْتَة من الجوع، يَعبدون الأحجار والأوثان والأشجار، لا دينَ لَهم يَجتمعون عَليهِ، ولا حَكَمَ يؤولونَ إليهِ.
كما كانوا يَتَقاتلونَ لأتفه الأسباب، لا يَعرفونَ معنىً للنبوءة، ولا كتابًا منذ زمن سيدنا إسماعيل عليه السلام. وكانَ غيرهم من الأمم المجاورة مثل الفرس والروم يَحتَقرونهم ولا يقيمون لَهم وزنًا، يَتَفاخرونَ عَلَيهم بالنبوءة والكتاب وكَثرَة الحضارة إلى أنْ أعَزَّهمُ الله تعالى بِسَيِّد النبوءة والرسالات، وخَير أهلِ الأرض والسماواتِ، عليه من الله أفضلُ الصلاة وأزكى التحيات.
جاءَ سيدنا محمدٌ، عليه الصلاة والسلام، رَسولاً من أنْفُسِهم، بل من أنْفَسِهم، صَلُحَ به حالُهم، واستَقامَ عليه أمْرُهُم، حتى صارَ الناس يَحُجُّونَ إلى بِلادهم، ويَتَعَلَّمونَ لغتَهم، فَحازوا مُلْكَ كِسرى وقيصرَ، وظَهَروا عَلى سائِرِ البِلاد والعِباد، بسيدنا محمدٍ، صَلَّى الله عليه وسَلَّم، أفضل العبادِ. يَقول الله تعالى : لله العِزَّةُ ولرسوله وللمُؤمنينَ ( المنافقون: 8).
وقد أشادَ الله تعالى بأفضالِ رسول الله، صلى الله وسلم عليه، على العرب خاصةً وجَعلَ مَبعَثَهُ إلَيْهم مُنَّةً كبرى في قَوله لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( آل عمران: 164). فَمَبعَثه من العَرَبِ، ولِسانهُ عربي، وكلام الله عربيِّ، وكلُّ العزِّ والشرفِ في إرسالِهِ مِنهم يَتلو على العالمَ كتابَ الله ويزكي الصالحينَ ويعلمهم الحكمة، وذلك مُنتَهى الكرامة الربانية.