«يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ، وَسَتَرَ الْقَبِيحَ، وَلَمْ يُؤَاخِذْ بَالْجَرِيرَةِ، وَلَمْ يَهْتِكِ السِّتْرَ، وَيَا عَظِيمَ الْعَفْوِ، وَيَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، وَيَا وَاسِع َالْمَغْفِرَةِ، وَيَا بَاسِطَ الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ، وَيَا سَامِعَ كُلِّ نَجْوَى، وَيَا مُنْتَهَى كُلِّ شَكْوَى، وَيَا كَرِيمَ الصَّفْحِ، وَيَا عَظِيمَ الْمَنِّ، وَيَا مُقِيلَ الْعَثَرَاتِ، وَيَا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، يَا رَبِّي وَيَا سَيِّدِي وَيَا مَوْلَايَ وَيَا غَايَةَ رَغْبَتِي، أَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُشَوِّهَ خِلْقَتِي بِبَلَاءِ الدُّنْيَا وَلَا بِعَذَابِ النَّارِ»،
أخرجه الحاكم في المُسْتَدْرَك على الصحيحين. ج: 1. ص: 729. و قالَ حَديث صحيح الإسناد وقال رواته كلهم مدنيون، وأقرّه الحافظ الذهبي على تصحيحه وهو ثَابت في صحيفة عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجده هو عبد الله بن عمر بن العاص من أكابر الصحابة رضي الله عنهم.
وأوَّل ما يصف به الحبيب حبيبه أنَّه أَظْهَرَ بَدائع الأكوان من ظلمة العَدم، وبَيَّنَ حكمةَ الخَلْق من خلال اسْتواء الكائنات التي سَوَّاهَا في أحسن تقويم وأعجب تركيب. كَما أظهَرَ بالكُتب المنزَّلَة أجملَ الأخلاق وأكرمَ الشَّرَائع وأقوم المسالك إليه، فَمَا مِن مَكْرُمَةٍ من الخيرات إلاّ وأظهرها الله. ولكن أجمل كائن أظهرته يد القدرة الإلهية إنَّمَا هو المصطفى الكريم الذي قال فيه قال
حسان بن ثابت:
وأجْمَل منك لم تر قط عيني وأكرم منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء
وأما قوله «ستَرَ القبيح» أي غَطَّى نقص المخلوقات وأتمّها فلم يجعلها إلاَّ طَيَّبَةً نافعةً وتفضَّل على عباده بستر عيوبهم واختصَّ هذه الأمة بالستر العام لخطاياهم عن رسولهم فلا يفتضحوا بين يديه. وجاء في تفسير قوله تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ الْنَّبيَّ والَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ التحريم :8 ،
إن اللّه تبارك وتعالى أوحى إلى نبيه، صلى الله عليه وسلم، : تريد أن أجعل حساب أمتك إليك؟ فقال : لا ياربّ أنت خير لهم مني، قال : إذاً لا نخزيك فيهم. وقال سفيان الثوري رضي اللّه عنه : ما أحب أن يجعل حسابي إلى أبوي لأني أعلم أن اللّه تبارك وتعالى أرحم بي منهما . وروي في خبر سلمة بن وردان عن أنس بن مالك أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سأل ربه تعالى في ذنوب أمته فقال : يا ربّ اجعل حسابهم إلي لئلا يطلع على مساوئهم غيري فأوحى اللّه تعالى إليه : هم أمتك وهم عبادي وأنا أرحم بهم منك لا أجعل حسابهم إلى غيري كيلا تنظر في مساوئهم أنت ولا غيرك، ..