الذين لا يأتون بهذا العمل، كأنه جعل القانتين هم العلماء، وهو تنبيه على أن من لا يعمل فهو غير عالم، وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم، ثم لا يقنتون، ويفتنون فيها، ثم يفتنون بالدنيا، فهم عند الله جهلة».
الوقفة التاسعة: قوله تعالى: إنما يتذكر أولوا الألباب أي: إنما يعتبر حجج الله، فيتعظ، ويتفكر فيها، ويتدبرها أهل العقول والحجى، لا أهل الجهل والنقص في العقول. وهذا الختام يفيد أيضاً، أن هذا التفاوت العظيم الحاصل بين العلماء والجهال لا يعرفه إلا أولوا الألباب.
الوقفة العاشرة: قال ابن كثير: «استدل بهذه الآية من ذهب إلى أن القنوت هو الخشوع في الصلاة، ليس هو القيام وحده، كما ذهب إليه آخرون». وفي الآية أيضاً إشعار بأن الذين يعلمون هم العاملون بعلمهم؛ إذ عبر عنهم أولاً بـ (القانت) ثم نفى المساواة بينه وبين غيره؛ ليكون تأكيداً له، وتصريحاً بأن غير العالم كأنه ليس بعالم.
الوقفة الحادية عشرة: قال الرازي في «تفسيره»: «اعلم أن هذه الآية دالة على أسرار عجيبة: فأولها: أنه بدأ فيها بذكر العمل، وختم فيها بذكر العلم؛ أما العمل فكونه قانتاً ساجداً قائماً، وأما العلم فقوله: «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» وهذا يدل على أن كمال الإنسان محصور في هذين المقصودين، فالعمل هو البداية، والعلم هو النهاية.
الفائدة الثاني: أنه تعالى نبه على أن الانتفاع بالعمل إنما يحصل إذا كان الإنسان مواظباً عليه؛ فإن القنوت عبارة عن كون الرجل قائماً بما يجب عليه من الطاعات؛ وذلك يدل على أن العمل إنما يفيد إذا واظب عليه الإنسان.
الفائدة الثالثة: أنه قال في مقام الخوف «يحذر الآخرة» أضاف الحذر إلى القانت آناء الليل، وفي مقام الرجاء «ويرجو رحمة ربه» أضافه سبحانه إلى نفسه، وهذا يدل على أن جانب الرجاء أكمل وأليق بحضرة الله تعالى.
الوقفة الثانية عشرة: قال ابن عاشور: «وإذ قد كان نفي الاستواء كناية عن الفضل، آل إلى إثبات الفضل للذين يعلمون على وجه العموم؛ فإنك ما تأملت مقاماً اقتحم فيه عالم وجاهل إلا وجدت للعالم فيه من السعادة ما لا تجده للجاهل.