وأصْبحَ قرآنًـــا يُتْلى إلى يــوم القيامَة. يقولُ الحقُّ تبارك و تعالى لِسيّدِ الوُجُودِ: حَطَطْنَا ما أثْقلَ ظهْرَك منْ أعْباءِ الرِّسالةِ حتّى تُبَلّغَها بِغايَة السُّهولة وَ نَفْسُك بها مُطْمَئِنَّة وَلَوْ قُوبِلْتَ بِالإساءَةِ مِمَّنْ أُرْسِلتَ إليهم .
وكرّمَ الله سُبحانهُ وتعالى السيِّدَ الأعْظَمَ وخَلقَ في ظَهْرهِ خَاتمَ النُّبوءةِ مثلَ بَيْضة الحَمامِ مَكتُوبٌ فِيه بِاللّحْمِ في بَاطِنهِ:-اللهُ وَحدَهُ لاَ شَريكَ لهُ مُحمّدٌ رَسولُ اللهِ، وفي ظاهِرهِ: تَوَجّهْ حيْثُ شِئتَ فَإِنّكَ مَنْصورٌ- وَهوَ مِن عَلامةِ النُّبوءَة . وخُلِقَ الخاتَمُ في كتِفِهِ الأيْسَر لِكَيْ لا يَدخُل الشّيطانُ قلبَهُ . يقـولُ سيّـدُنا جَابِـر بــنِ عَبْــد الله:«أَرْدَفَنِي رسولُ الله عليه الصّلاةُ والسّلامُ خَلْفَهُ فَجَعَلْتُ فَمِي على خَاتَمِ النُّبُوءَة فَجَعَلَ يَنْفَحُ عَلَيَّ مِسْكًا». وكلُّ نَبيٍّ مِنْ أنْبياءِ الله لهُ شَامَةٌ في يَدِهِ يُعْرف بِها ، إِلاّ سَيِّدنَا مُحمّد كانت شامَتهُ مَا بيْـنَ كتِفَيْهِ ، يقول بعضُ العُلماءِ: «وُلِدَ سَيّدُنا محمّد بِالخاتَمِ، ويقـولُ آخرونَ بِوَضْعِهِ في فتْرَةِ رَضاعِه عِندَ السيّدَة حَليمَة السَّعْديّة رضي الله عنها» يقول الإمامُ البُوصيري:
مُضْغَةٌ عِـندَ غَسْلِهِ سَوْدَاءُ شُقَّ عـن قَلبِهِ وأخْرِجَ مِنهُ
دِعَ مَا لم تُـذَعْ لَهُ أَنْبَــاءُ خَتَمَتْهُ يُمْنَى الأمِيـنِ وقد أُو
و يقول الإمامُ النبهاني في كتابهِ الطيبة الغّراء :
أَسْفَلَ الكَتِفِ حِلْيَةٌ حَـسْـنَـاءُ ظَهرُهُ خَاتَمُ النُّبُوءَةِ فِيهِ
وعن السَّائِبِ بن يَزيد قال:«ذَهبَتْ بِي خَالَتِي إلى رسولِ الله فَقالت:يا رسول الله إنَّ ابْنَ أُخْتي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأسِي وَدَعا لِي بِالبَرَكةِ وتَوَضَّأ فَشَربْتُ مِن وَضُوئِهِ ثمَّ قُمْتُ خَلفَ ظهْرِهِ فَنَظرْتُ إلى خاتَمٍ بَيْن كَتفـيْهِ مِثل زِرِّ الحَجَلَةِ» -الحَجلةُ:البــيتُ كَالقُبّةِ يُـسْـترُ بِالثّيــابِ وتكونُ لهُ أزْرَارٌ كَبِيرة-. وَرُوِيَ عن سَمّاك قال: «سَمِعْتُ جابر بن سَمُرَة قال:رأَيْتُ خاتَمًا في ظَهْرِ رسول الله كَأنّهُ بَيْضة حَمَام» . وجاءَ عنْ سيّدنا سَلْمان الفَارِسِي رضى الله عنه قال: «أَتَيْتُ رسول الله علية الصّلاة والسّلامُ فَأَلْقَى رِداءَهُ وقال: يَا سَلْمان اُنْظُرْ إلى مَا أُمِرْتَ بِه.قال: فَرأيْتُ الخَاتَمَ بَينَ كَتفَيْهِ مثل بَيْضَة الحَمامَة».وَرَوَى غيّاثُ البِكْرِي قال: كُنّا نُجَالِسُ أبَا سَعِيدٍ الخُدْريّ بِالمَدينَةِ فَسألْتُهُ عنْ خاتمِ رسولِ الله الّذِي كانَ بَيْنَ كَتِفَيْه؟فقال:بِإِصْبِعِهِ السَّبَّابَة هَكَذَا لَحْمٌ نَاشِزٌبَيْـنَ
كَتِفَيْهِ«. ومَا أَحْسَنَ مَا ذكَرَهُ ابنُ دِحْية رحِمهُ اللهُ وغيْرُهُ مِنَ العلماءِ قَبْلَهُ:الحِكْمةُ في كَــوْن الخاتَم كان بَيْـَـن كَتِـــفَيْ رسول الله عــليه الصّلاة والسّلامُ إِشارةٌ إلى أنَّهُ لاَ نَبيءَ بَعْدَكَ يَأْتِي مِنْ وَرَائِـكَ. يقـولُ الله تعـالى وهو أصدقُ القائليــن
«مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتِمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا»
وبَقِيَ الخاتَمُ مع رسول الله طولَ حَياتِهِ،«وَلَمَّا شُكَّ فِي مَوْتِ النَّبِي فقالَ بَعْضُهُم: مات، وقال بَعْضُهم: لمْ يَمُتْ، وَضَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْت عُمَيْس يَدَهَا بَيْنَ كَتِفَيْ رسولِ الله فقالت: تُوُفِّيَ رسولُ الله وَرُفِعَ الخاتَمُ مِنْ بَيْنِ كَتفَيهِ، فكان هذا الّذي قَدْ عُرفَ بهِ مَوتُه».