وجاءَ في الحَديث: «إنِّي لَأَمينٌ فِي الأرضِ وأمينٌ في السَّماء»، وذلك لنَزاهَتِه الراقية، وكَرَم أخلاقهِ العالية. ومن ذلك القصة الشهيرة حينَ دعت قُريش الصادقَ الأمين، ليضع الحجر الأسعد في مكانه عند بناء الكعبة. فقد جاءَ عن سيدنا عَليٍّ، كَرَّم الله وجهه، قال: لَمَّا أرادت قريش أن تضعَ الحَجَرَ الأسعد، تشاحنوا في وَضْعه فَقالوا: «أوَّلُ مَن يخرج من هذا الباب فهو يَضعه». فَخَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسَلَّم فلما رأوه، قالوا: قد جاء الأمين.
وتقول العرب إن محمدا لا يعرف في قومه إلا بالصادق الأمين – وتوضع عنده وَدائع البادية ورَهائن الحاضرة وعَدُوُّه ووليه في الوديعة سواءٌ.
وقيل: مَعناه الأمين في نفسه من عقابِ رَبِّه، مُشيرًا لما بَشَّره به الله عَزَّ وجَلَّ في سورة الفتح حيث قال: «لِيغفرَ لك الله ما تقدم من ذنبكَ وما تَأخَّرَ.» وقيلَ: مَعناه الأمينُ فيما جاء به عن رَبِّهِ تعالى، من أمره ونَهْيه ووَعده ووَعيده.
يُحكى أنَّ الأخنَسَ بنَ شَريق لَقيَ أبا جَهلٍ يَومَ بَدرٍ، فقال: «يا أبَا الحَكَم، لَيس هنا غيركَ يَسمع كلامنا، أخْبِرني عن محمدٍ، صادِقٌ أم كاذبٌ؟ فقال أبو جهل: والله إنَّ مُحمدًا لَصادقٌ، وما كَذَبَ.
فَرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أرعى الناس للأمَانَات، وأصدقُهم، ظاهرًا وباطنًا في تَبليغِ الرسالات، وأنْقاهم طويةً في الخَلَوات والجَلوات، فَهو الذي اصطفاهُ مَولاه مَأمونًا على وَحْي السَّمَوات، واجتباهُ مُخبِرًا عَن سرِّ الإراداتِ، وائتَمَنَه على التبليغِ عنهُ لِسائر المَخلوقات، فأدَّى الأمانَة على أكمل الوُجوهِ والكيفيات.