الخِطابُ في الآيةِ الكـريمةِ هــو لِلرّسولِ الأعظم ويَتَعَدّى لِأمَّتهِ، وَقعَ هذا في القرآنِ الكريمِ عديدَ المرّاتِ للسيّد الكريم سيّدُ هذه الأمَّة ووَاسِطَتُها إلى ربِّها, ولِهذا عَبَّرَ بِهِ عَنْهم على عادةِ العَربِ في ذَلِك.
ومن الشّمائلِ الشّريفةِ يَدُ الرّسول المَذكُورة في القرآنِ الكريمِ الّتِي هي في أعْلَى طَبقاتِ الحُسْن اللاّئِقِ بِالرِّجالِ، يقول سيّدُنا أنس بن مالك:«ما مَسَسْتُ حريرًا ولا دِيباجًا أَلْيَنَ وأَنْعَمَ من كَفِّ رسول الله», وكان سيّدُنا مُحمّد بِيَدِهِ الشّريفَة يُرقّعُ ثوْبَه و يَحْلبُ شاتَه و يَخِيطُ نَعْلهُ ويَخْدِمُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ , وحلبَ بكفّهِ الشّريف نَعْجَة أمِّ مَعْبد في هِجْرتهِ إِلى المدينةِ المُنوّرةِ. وهذه النّعجةُ كَبيرةً في السّنِّ وليْستْ بِالصّغيرةِ، وعاشتْ ثماني عشرة سنة بَعْدما حلبَهَا سيّدُ الوُجودِ بِيَدِهِ الشّريفة, وكانت السيّدةُ أمُّ مَعْبد تَحْلبُها في الصّباحِ والمساءِ حتّى مَاتتْ في خلافةِ سيّدنا عُمَر بن الخطاب.
يقول الإمامُ البوصيري في الهمزيّة.
فَلَهَا ثَرْوَةٌ بِـــهَا و نَمَــــــــــاءُ دَرّتْ الشّـــاةُ حين مَرّتْ عَلَيْها
و يقول سيّدنا حسّان بن ثابت :
و هِمَّتُهُ الصُّغْـــرَى أجَلُّ من الدَّهْـرِ لهُ هِمَـمٌ لاَ مُنْتَهَى لِكِبَــارِهَا
على البَرِّ كَان البَرُّ أَنِدَى من البَحْـر له رَاحَةٌ لَوْ أنَّ مِعْـشَارَ جُودِهَا
يَرْوِي الإمامُ القُرْطُبي في تفسيرِهِ عن قَتَادَة رضي الله عنه قال: «كُنتُ أتّقِي السَّهامَ بِوَجْهي دونَ وجه رسول الله وآخر سَهْــم جاءَ في عَــيْنِي حتّى خَرجتْ مِـنْ مَكانِها، أخَذْتُها بِيَدي وذَهبْتُ بها إلى رسول الله فلمّا رَآنِي بَكَى وقال: يَا رَبِّ احْفظ قتَادةَ كما حَفــظَ وَجْهَ نَبِيِّكَ،وأَخَذَهَا مِن يَدِي و وَضَعَها فِي مَكانِها وقال: اللّهُمَّ اجْعَلْها أَحْسَن عَيْنَيْه وأَحَدَّهُما نَظرًا» - أيْ أقْواهُما - فَكانَت لا تَرمَدُ إذا رَمَدتْ الأُخْرى.
وفي كفِّ سيّدي النّبيء سَبَّحَ الحَصَى عديدَ المَرّاتِ، فَعَنْ أبِي ذرٍّ رضي الله عنه قال:»كان النّبي جالسًا وَحدَه فجئتُ حتّى جلستُ إليهِ، فَجاءَ أبو بَكرٍ فَسلّمَ ثمّ جَلس، ثمّ جاءَ عُمَر ثمّ عُثمان وبَيْن يَدَيْ رسول الله سَبْع حُصَيّات، فَأخَذَهُنّ فَوَضعَهُنَّ فِي كَفِّهِ فَسَبَّحْنَ حتّى سَمعتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنين النَّحلِ، ثمَّ وَضَعَهُنّ فَخَرَسْنَ، ثمّ أخَذَهُنّ فَوَضَعَهُنّ في يَدِ أبِي بكرٍ فَسَبَّحْنَ حتّى سَمعتُ لهُنَّ حنينًا كحنين النّحْلِ، ثمّ وَضَعهُنّ فَخَرَسْنَ، ثمّ تَناوَلَهُنّ فَوضعَهُنّ في يَدِ عُمَر فَسَبّحْنَ حتّى سَمعتُ لهُنّ حَنينًا كحنين النّحلِ، ثمّ وَضَعهُنّ فَخَرَسْنَ، ثمّ تَنَاوَلَهُنّ فَوَضَعَهُنّ في يَدِ عُثمَان فَسَبّحْن حتّى سَمعْت لَهنَّ حنينًا كحنين النَّحْل، ثمَّ وَضَعهنّ فَخَرسْنَ فَقال رسول الله هَذهِ خِلافَة نُبُوءة» . يقول الإمام الشّيخ عبد الرّحيم البرعي :
و هو المُشفَّعُ في المَعَادِ لمن عَصَى ذاكَ الّذي عَبَـدَ الإِلَـهَ و أخلصا
شَرَفًا لهُ و لِربِّـــهِ تَــعْــظِــيــــمَا و بِكفّهِ نَطَقَت و سَبّحَت الحَصَى
رُوِيَ أن عاصم بن عمر بن قتادة وَفَدَ على عُمَر بن عَبْد العَزيز رضي الله عنه فقال لهُ: مَنْ أَنْتَ ؟ فقال بَدِيهةً :
فَـرُدَّتْ بِكَفِّ المُصطَفَى أحْسَنَ الرَدِّ أنا ابنُ الّذي سَالتْ على الخَدِّ عَينُهُ
فَيَا حُسْنَ مَا عَيْـنٌ و يَا حُسْنَ مَا خَدِّ فَعَـــادتْ كــــــما كَــــانَت لِأوَّلِ مَرَّةٍ
وجاء عن أبِي زيْدٍ الأنصاري قال: «مَسَحَ عليه الصّلاة والسّلامُ بِيَدِهِ على رَأسِي ولِحيَتي ثمّ قال: اللّهمَّ جَمِّلْهُ، قال الرّاوِي عنهُ: فَبَلَغَ بِضْعًا ومائةَ سنةٍ ومَا في لِحيَتهِ بياضٌ، و لَقدْ كان مُنْبَسطَ الوَجْهِ ولمْ يَنْقَبضْ وَجْهُه حتّى ماتَ».
ومَدَّ رسولُ الله يَدَيْهِ إلى السّماءِ عديدَ المَرّاتِ طَالِبًا الرّحْمَةَ لِأُمَّتِهِ، ومِمَّا أَجابَهُ بِهِ تعالى « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى».